للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النثر الحجازي الجاهلي:

١- كان للحجازيين نثر فني صِيغ في قالب أدبي يثير المشاعر ويحرك العواطف؛ لأنهم كانوا ينطقون باللغة كما صنعوها على أعينهم، نقية من الشوائب، فقد عاشوا في جزيرتهم بعيدين عن المؤثرات التي تضعف الملكات، ومن ثم فقد كان نثرهم منخولا ينزع عن قوس الإجادة ويصدر عن وحي الطبع والملكة السليمة، وليس من شك أيضا أن هذا النثر كان لا منتدح منه في جميع شئونهم، وأمور حياتهم، يتحدثون به في معاشهم وتبين به شفاههم لتصوير ما يعتلج بنفوسهم ويختلج بأفئدتهم، وكان ملحمة لقراع الألسنة ومباراة للبلغاء في مضمار البيان والأسواق الأدبية، ولم يكن للعرب عند تفاقم الفتن ولا للأبطال في معمعة الحروب ولا للأمهات عند إهداء بناتهن، مناص من كلام يستأصلون به شأفة الفتن، ويحمسون به النفوس, ويصيبون به مقاطع الرأي.

ولا نكاد نهتدي إلى صورة جلية تمثل هذا النثر الجاهلي الحجازي؛ فكل ما وصل إلينا قل من كثر، وغيض من فيض، ولقد ذكر الرواة أن ما وصلنا من أدب ليس إلا أقله، ولكن ما وصل إلينا من النثر كان أقل شأنا من الشعر، ومرد ذلك إلى:

١- أن العرب في الجاهلية كانوا أميين لا يكادون يقرءون أو يكتبون, فكانوا يعتمدون في رواية الأدب من نثر وشعر على المشافهة والاستظهار، والذاكرة أقدر على حفظ الشعر وروايته من حفظ النثر وروايته.

فإن ما للشعر من أوزان راقصة، ونغمات موسيقية، وقوافٍ متزاوجة، وجرس عذب مثير، يعين على استذكاره واستظهاره، والنثر ليس بهذه المثابة، فالنثر إذن يتطلب معرفة الكتابة وهي اختراع متأخر.

٢- لم يستطع النثر منذ أن أطل برأسه إلى الحياة أن يباري الشعر في عهد الجاهلية، وأن يقوى على معالجة الموضوعات التي عالجها الشعر، فقد كان

<<  <   >  >>