للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشعر ديوان العرب؛ سجلوا فيه حروبهم وأخبارهم وعاداتهم وعقليتهم، ودَوَّن فيه الشاعر ما رأى وما شعر، ومزج فيه الحياة التي حوله بمشاعره، وكان الشاعر لا منتدح منه للقبيلة يعلن مناقبها ويذود عن حياضها وينافح عن شرفها ويحمي حماها، وكان الشعر في الحرب كموسيقى الجيش تثير في النفوس الميل للقتال وتبعث على الاستبسال، أما موضوعات النثر فلم تك بهذه المثابة، فعني الناس بحفظ الشعر ولم يعنوا بحفظ النثر.

٣- النثر وليد العقل وسعة الثقافة، والشعر وليد الخيال، والأمة في بادئ أمرها خيالها أكبر من عقلها.

ويمتاز النثر الحجازي بمساوقته للطبع وجريانه على الفطرة، فليس فيه تكلف ولا تطرف ولا غلوّ، ينزع عن قوس البادية، ويمتح من ينابيع البيئة، ومن ثم فقد جاء قوي اللفظ متين العبارات فحل الأسلوب قصير الفقرات قريب الإشارة.

٢- وإنما نعني بالنثر ههنا: النثر الفني الذي يحتفل به قائله، ويجود فيه، ويهذب من حواشيه، ويعنى بصياغته صياغة فنية مؤثرة، يعبر به عن أجمل ما في نفسه وخواطره من معانٍ وأفكار.

ولا نقصد به ما يجري على ألسنة الناس في شئون الحياة العادية، مما نسميه "لغة التخاطب" التي لا يقصد فيها إلى جمال فني، ولا النثر العلمي؛ لأنه لم يكن للحجازيين في الجاهلية نثر علمي، وإنما جَدّ ذلك المظهر في أواخر عصر بني أمية وأوائل عصر دولة بني العباس، فالنثر العلمي ليس لونا من ألوان الأدب، وإن كان الأدب يعنى به؛ لأنه من آثار العقلية التي تنشئ الأدب، إذ هو مغذي الثقافة العقلية والأدبية، ثم هو مما يصقل مواهب الأديب، ويمده بزاخر المعاني والأفكار والموضوعات، وقد يكون النثر العلمي في بعض الأحايين أدبا إذا حرص صاحبه فيه على أداء الحقائق بأسلوب بليغ، وكلام رصين مختار.

<<  <   >  >>