للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والنثر الفني الحجازي ألوان متعددة:

١- فمنه الكلام المرسل الذي لم تقيد فقراته بوزن أو قافية, كخطبة هاشم بن عبد مناف القرشي التي يقول منها: "يا معشر قريش: إنكم سادة العرب أحسنها وجوها وأعظمها أحلاما، وأوسطها أنسابا. يا معشر قريش: إنكم جيران بيت الله، أكرمكم الله بولايته، وخصكم بجواره، دون بني إسماعيل١ ... إلخ". ويسمى هذا النوع نثرا مرسلا.

٢- ومنه ما يجيء من الكلام المنثور متحدا في فواصله٢ في الوزن دون اتفاق في القافية؛ ويسمى هذا اللون من النثر مزدوجا، والإتيان به كذلك ازدواجا، وقد يسميه البديعيون "موازنة".

٣- ومنه الكلام المسجوع الذي تتحد فواصله في الحرف الأخير، وهو ما يسمى بالقافية، مثل وصية أبي طالب لوجوه قريش حين حضرته الوفاة: "يا معشر قريش، فيكم السيد المطاع، وفيكم المقدام الشجاع، لم تتركوا للعرب في المآثر نصيبا إلا أحرزتموه، ولا شرفا إلا أدركتموه، فلكم بذلك على الناس الفضيلة، ولهم به إليكم الوسيلة، والناس لكم حرب، وعلى حربكم ألب"٣ ويسمى مثل ذلك سجعا، وقد يسمى ما اتفقت الفواصل فيه في الوزن والقافية سجعا أو ازدواجا، مثل كلام أبي طلاب السابق، ومثل قول الحكم في المنافرة بين هشام بن عبد مناف وأمية بن عبد شمس: "والقمر الباهر، والكوكب الزاهر، والغمام الماطر، وما بالجو من طائر, لقد سبق هاشم أمية إلى المفاخر"٤، ويغلب السجع في كلام الكهان، وبعض علماء البلاغة لا يمنعون أن يسمى ما جاء في القرآن من ذلك سجعا، ومنهم أبو هلال وابن سنان وابن الأثير، خلافا للباقلاني وأنصاره, الذين يرون تسمية الجمل القرآنية فواصل، ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} وهذا منع لتبادر الفهم إلى أن القرآن يشبهه شيء من الآثار الأدبية، وإكبار له عن أن يقال له: سجع.


١ ٢٢٢/ ١ بلوغ الأرب للألوسي.
٢ الفاصلة: الكلمة الأخيرة من الجملة من الكلام.
٣ ٣٢٧/ ١ بلوغ الأرب.
٤ ٣٠٨/ ١ بلوغ الأرب.

<<  <   >  >>