ينابيع الثقافة ولم ينهلوا من موارد العلوم، ولكن تجاربهم الجمَّة أتاحت لهم ألوانا من الأفكار الرائعة، والخلجات الناصعة, والمعاني العميقة، والتأملات الدقيقة، ما مكنهم من صوغ الحكمة وإبراز معالمها، فهم وإن لم يكن لهم علوم منظمة ينتفعون بها, فقد كان لهم من خبرتهم وقوة مداركهم وحدة ذكائهم وصدق حسهم ومخالطتهم أحيانا ببعض الأمم التي تتاخمهم ما جعلهم ينظمون الحكم عقودا براقة, من جمان الأفكار, وعقيان المعاني.
ثم نرى المعاني التي عرضت لها هذه الحكم صورة واضحة لخلجات العقل العربي وتأملاته وإدراكاته، فالكرم والبخل والعفة والقناعة والصبر والرضا والبلاغة والحكمة كلها معانٍ تحتل المكانة الأولى من العقلية العربية، وتتسم بها أفهامهم ومداركهم.