للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أثر البيئة في الأمثال الحجازية:

تعتبر الأمثال أصدق شيء يتحدث عن أخلاق الأمة وتفكيرها وعقليتها وتقاليدها وعاداتها، ويصور المجتمع وحياته وشعوره أتم تصوير، فهي مرآة للحياة الاجتماعية والعقلية والسياسية والدينية واللغوية، وهي أقوى دلالة من الشعر في ذلك؛ لأنه لغة طائفة ممتازة، وأما هي فلغة جميع الطبقات.

فالمثل -إذًا- هو صوت الشعب وصورته، ورسمه ومثله، ينبع من قلب الجماهير، ويصب فيها، والسمة الشعبية ركن من أهم أركان المثل الشعبي. "ويتضح عنصر الشعبية في اشتقاق اللفظ الدال على المثل في اللاتينية واليونانية. ففي اللاتينية تدل الكلمة Provsrqium على "الكلمة التي تقال أمام الملأ" ويرادفها لفظ adaguim ويردونها عادة إلى العبارة: ad agendum aptum واشتقت الإنجليزية كلمة adage وكلها تدل على هذا العنصر الشعبي، كما تدل على مغزى خلقي، وتنطق بالوظيفة العملية للمثل. أما الكلمة اليونانية التي تقابل كلمة المثل العربية, فهي تدل على التعبير الشائع الذي تبتذله العامة.

ولذا كان من الطبيعي أن تكون الأمثال الحجازية في العصر الجاهلي صورة صادقة لنفسية الحجازيين وحياتهم الخلقية والدينية, وأن تنعكس على مرآتها بيئتهم الطبيعية والاجتماعية, وتصور عاداتهم وتقاليدهم ونزعاتهم وميولهم وهزلهم وجدهم، وطرائقهم في التفكير والتعبير. وماذا عسى أن ينتج من بيئات اشتغل أهلها بالزراعة والتجارة، وكانت لهم المصارف، وضربوا في جنبات الصحراء يحدون القوافل الموقرة بالسلع المختلفة لحسابهم، أو لحساب غيرهم، حتى أصبح لهم حظ من الثراء والترف والحضارة، وكانت بديارهم المواسم والمجتمعات والأسواق التجارية والأدبية, كما امتازوا بجوارهم للبيت الحرام الذي يقصده العرب جميعا لأداء الشعائر الدينية؟ كل ذلك كان له أثره العميق في نفوسهم, وفيما ينتجون من أدب بصفة عامة, وما يرسلون من حكم وأمثال بصفة خاصة.

<<  <   >  >>