وهكذا كانت الأمثال الحجازية التي وصلت إلينا ترجمانا صادقا عن حياة الحجازيين الاجتماعية، وشمائلهم الخلقية؛ نرى فيها شجاعتهم وبأسهم، وجرأتهم وفتكهم، فقد ضرب المثل بالبراض الكناني، فقيل: أفتك من البراص، وفي قصة المثل المشهور:"عند جهينة الخبر اليقين" بعد أن فتك الأخنس بن كعب الجهني بالحصين بن عمرو، وقفل راجعا إلى قومه رأى امرأة تنشد الحصين، فقال لها: من أنت؟ فقالت: أنا امرأة الحصين. قال: أنا قتلته، فكذبته وقالت: أما لو لم يكن الحي خلوا ما تكلمت بهذا. فانصرف وفي ذلك يقول:
كصخرة إذ تسائل في مراح ... وأنمار، وعلمهما ظنون
تسائل عن حصين كل ركب ... وعند جهينة الخبر اليقين
وسيأتي تفصيل الحديث عن هذين المثلين.
وفي بيئات الحجاز الزراعية كخيبر والمدينة حيث تنتشر النخيل نجد أن الحجازيين قد اتخذوا من "التمر" مادة للأمثال يعالجون بها أطرافا من شئونهم المعاشية وحياتهم الاجتماعية، فقالوا:
"كمستبضع التمر إلى خيبر" ويقال للدلالة على خطأ هذا الفعل، فخيبر مصدر التمر، والذي يجلب إليها التمر مخطئ أعظم الخطأ مقضي على تجارته بالبوار والكساد وهذا من بديهيات التجارة، والشيء يجب أن يوضع في موضعه، ويوجه لمن هو في حاجة إليه، قال النابغة الجعدي:
وإن امرأ أهدى إليك قصيدة ... كمستبضع تمرا إلى أرض خيبرا
وقالوا:"كل خاطب على لسانه تمرة"١ وفي التمرة حلاوة, والخاطب عادة يحلو لسانه حتى يحوز الرضا ويفوز بحبة قلبه, وهو يضرب للذي يلين كلامه إذا طلب حاجة. وقالوا:"التمرة إلى التمرة تمر" وينسب هذا المثل إلى أحيحة بن الجلاح الأوسي, وذلك أنه دخل حائطا له فرأى تمرة ساقطة