أنه يقول له: مكانك, ثم قرع بالعصا ثلاث قرعات, ثم رفعها إلى السماء ومسح عصاه بالأرض، فعرف أنه يقول له: لم أجد جدبا, ثم قرع العصا مرارا ثم رفعها شيئا وأومأ إلى الأرض فعرف أنه يقول: ولا نباتا, ثم قرع العصا قرعة وأقبل نحو الملك فعرف أنه يقول كلمة, فأقبل عمرو حتى قام بين يدي الملك، فقال له: أخبرني هل حمدت خصبا أو ذممت جدبا؟ فقال عمرو: لم أذمم هزلا ولم أحمد بقلا، الأرض مشكلة، لا خصبها يعرف، ولا جدبها يوصف، رائدها واقف ومنكرها عارف وآمنها خائف. قال الملك: أولى لك, فقال سعد بن مالك يذكر قرع العصا:
قرعت العصا حتى تبين صاحبي ... ولم تك لولا ذاك في القوم تقرع
فقال رأيت الأرض ليس بممحل ... ولا سارح فيها على الرعي يشبع
سواء فلا جدب فيعرف جدبها ... ولا صابها غيث غزير فتمرع
فنجي بها حوباء نفس كريمة ... وقد عاد لولا ذاك فيهم تقطع
أو عامر بن الظرب العدواني:
وقال آخرون في قولهم "إن العصا قرعت لذي الحلم": إن ذا الحلم هذا هو عامر بن الظرب العدواني, وكان من حكماء العرب لا تعدل بفهمه فهما ولا بحكمه حكما، فلما طعن في السن أنكرت من عقله شيئا، فقال لبنيه: إنه قد كبرت سني وعرض لي سهو, فإذا رأيتموني خرجت من كلامي وأخذت في غيره فاقرعوا لي المجن بالعصا. وقيل: كانت له جارية يقال لها: خصيلة, فقال لها: إذا أنا خُولِطت فاقرعي لي العصا، وأتى عامر بخنثى ليحكم فيه فلم يدر ما الحكم, فجعل ينحر لهم ويطعمهم ويدافعهم بالقضاء، فقالت خصيلة: ما شأنك قد أتلفت مالك؟ فخبرها أنه لا يدري ما حكم الخنثى, فقالت: اتبعه مباله، قال الشعبي: فحدثني ابن عباس بها، قال: فلما جاء الإسلام صارت سنة فيه، وعامر هو الذي يقول:
أرى شعرات على حاجبي ... بيضا نبتن جميعا تؤاما
ظللت أهاهي بهن الكلا ... ب أحسبهن صوارا قياما
وأحسب أنني إذا ما مشيـ ... ـت شخصا أمامي رآني فقاما١
١ الميداني ١/ ٣٩، ٤٠.