للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما لو لم يكن الحي خلوا ما تكلمت بهذا, فانصرف إلى قومه فأصلح أمرهم, ثم جاءهم فوقف حيث يسمعهم وقال:

وكم من ضيغم ورد هموس ... أبي شبلين مسكنه العرين

علوت بياض مفرقه بعضب ... فأضحى في الفلاة له سكون

وأضحت عرسه ولها عليه ... بعيد هدوء ليلتها رنين

وكم من فارس لا تزدريه ... إذا شخصت لموقعه العيون

كصخرة إذ تسائل في مراح ... وأنمار وعلمهما ظنون

تسائل عن حصين كل ركب ... وعند جهينة الخبر اليقين

فمن يك سائلا عنه فعندي ... لصاحبه البيان المستبين

جهينة معشري وهم ملوك ... إذا طلبوا المعالي لم يهونوا

ويضرب هذا المثل في الرجل يعرف حقيقة الأمر.

رب زارع لنفسه حاصد سواه:

قاله عامر بن الظرب وذلك أنه خطب إليه صعصعة بن معاوية ابنته, فقال: يا صعصعة, إنك جئت تشتري مني كبدي وأرحم ولدي عندي, منعتك أو بعتك، النكاح خير من الأيمة والحسيب كفء الحسيب والزوج الصالح يعد أبا، وقد أنكحتك خشية ألا أجد مثلك، ثم أقبل على قومه فقال: يا معشر عدوان، أخرجت من بين أظهركم كريمتكم على غير رغبة عنكم, ولكن من خط له شيء جاءه، رب زارع لنفسه حاصد سواه. ولولا قسم الحظوظ على غير الحدود ما أدرك الآخر من الأول شيئا يعيش به، ولكن الذي أرسل الحيا أنبت المرعى، ثم قسمه أكلا لكل فم بقلة ومن الماء جرعة, إنكم ترون ولا تعلمون، لن يرى ما أصف لكم إلا كل ذي قلب واعٍ ولكل شيء راعٍ ولكل رزق ساعٍ, إما أكيس وإما أحمق وما رأيت شيئا قط إلا سمعت حسه ووجدت مسه, وما رأيت موضوعا إلا مصنوعا، وما رأيت جائيا إلا داعيا ولا غانما إلا خائبا ولا نعمة إلا ومعها بؤس, ولو كان يميت الناس الداء لأحياهم الدواء، فهل لكم في العلم العليم؟ قيل: ما هو؟ قد قلت فأصبت وأخبرت

<<  <   >  >>