فضرب مثلا فقيل: أتانا صكة عمي, إذا جاء في الهاجرة الحارة، وفي ذلك يقول كرب بن جبلة العدواني:
وصك بها نحر الظهيرة غائرا ... عمي ولم ينعلن إلا ظلالها
وجئن على ذات الصفاح كأنها ... نعام تبغي بالشظى رئالها
فطوفن بالبيت الحرام وقضيت ... مناسكها ولم يحل عقالها١
قد كان ذلك مرة, فاليوم لا:
قالته فاطمة بنت مر الخثعمية وكانت قد قرأت الكتب, فأقبل عبد المطلب ومعه ابنه عبد الله يريد أن يزوجه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب, فمر على فاطمة وهي بمكة فرأت النبوة في وجه عبد الله, فقالت له: من أنت يا فتى؟ فقال: أنا عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، فقالت: هل لك أن تقع علي وأعطيك مائة من الإبل؟ فقال:
أما الحرام فالممات دونه ... والحل لا حل فأستبينه
فكيف بالأمر الذي تنوينه ... يحمي الكريم عرضه ودينه
ومضى مع أبيه فزوجه آمنة وظل عندها يومه وليلته, فاشتملت بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ثم انصرف وقد دعته نفسه إلى الإبل فأتاهم فلم ير منها حرصا, فقال لها: هل لك فيما قلت لي؟ فقالت: قد كان ذلك مرة, فاليوم لا. فأرسلت مثلا يضرب في الندم والإبانة بعد الاجترام, ثم قالت له: أي شيء صنعت بعدي؟ قال: زوجني أبي آمنة بنت وهب فكنت عندها، فقالت: رأيت في وجهك نور النبوة فأردت أن يكون ذلك في، فأبى الله تعالى إلا أن يضعه حيث أحب، وقالت:
بني هاشم قد غادرت من أخيكم ... أمينة إذ للباه يعتلجان
وما كل ما نال الفتى من نصيبه ... بحزم ولا ما فاته بتواني
فأجمل إذا طالبت أمرا فإنه ... سيكفيكه جدان يصطرعان
١ تاج العروس ٧/ ١٥٤.