للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسحول١، وأنقض منها المفتول، وأحيلها حتى تحول، وليس للأمور بصاحب، من لم ينظر في العواقب، قال: صدقت، لله درك!! فأخبرني: ما العجز الظاهر، والفقر الحاضر، والداء العياء٢، والسوءة السوءاء؟ قال: أما العجز الظاهر، فالشاب القليل الحيلة، الملازم للحليلة، الذي يحوم حولها، ويسمع قولها، إن غضبت ترضَّاها، وإن رضيت تفدَّاها. وأما الفقر الحاضر, فالمرء لا تشبع نفسه، وإن كان من ذهب حلسه. وأما الداء العياء، فجار السوء إن كان فوقك قهرك، وإن كان دونك همزك، وإن أعطيته كفرك، وإن منعته شتمك، فإذا كان ذلك جارك، فأخلِ له دارك، وعجل منه فرارك، وإلا فأقم بذل وصغار، وكن ككلب هرار. وأما السوءة، فالحيلة الصخابة٣, الخفيفة الوثابة، السليطة٤ العيابة، التي تعجب من غير عجب، وتغضب من غير غضب، الظاهر عيبها، المخوف غيبها، فزوجها لا يصلح له حال، ولا ينعم له بال، إن كان غنيا لا ينفعه غناء، وإن كان فقيرا أبدت له قلاه، فأراح الله منها بعلها، ولا متع الله بها أهلها.

ومن أمثلة المفاخرة: ما وقع -على ما قيل- من بعض سادة العرب بين يدي كسرى، وقد قال لهم: ليتكلم كل رجل منكم بمآثر قومه، وليصدقن، وكان حذيفة بن بدر أول متكلم، فقال: قد علمت العرب أن فينا الشرف الأقدم، والعز الأعظم, ومآثر للصنيع الأكرم. فقال من حوله: ولم ذاك يا أخا فزارة؟ قال: ألسنا الدعائم التي لا ترام، والعز الذي لا يضام؟ قيل له: صدقت.

ثم قام الأشعث بن قيس، فقال:

"لقد علمت العرب أنا نقاتل عديدها الأكبر، وزحفها الأكبر, وأنا غياث اللزبات٥. فقالوا: لم يا أخا كندة؟ قال: لأنا ورثنا ملك كندة, فاستظللنا بأفيائه، وتقلدنا منكبه الأعظم، وتوسطنا بحبوحه٦ الأكرم".


١ المفتول على طاقة واحدة.
٢ الذي لا يرجى برؤه.
٣ كثير اللغط والجلبة.
٤ البذيئة.
٥ اللزبات بسكون الزاي: جمع لزبة, وهي الشدة.
٦ بحبوحة الدار بضم الباء: وسطها, وبحبوحة العيش: رغده وخياره.

<<  <   >  >>