للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في معرفة طوايا النفوس والكشف عن خبايا الأمور، ومن ذلك ما يرويه صاحب الأغاني:

كانت هند بنت عتبة عند الفاكه بن المغيرة، وكان الفاكه من فتيان قريش, وكان له بيت للضيافة بارز يغشاه الناس من غير إذن, فخلا البيت ذات يوم فاضطجع هو وهند فيه, ثم نهض لبعض حاجته، فأقبل رجل ممن كان يغشى البيت, فولجه. فلما رآها رجع هاربا، وأبصره الفاكه، فأقبل إليها فضربها برجله، وقال: من هذا الذي خرج من عندك؟ قالت: ما رأيت أحدا ولا انتبهت حتى أهنتني، فقال لها: ارجعي إلى أمك. وتكلم الناس فيها, وقال لها أبوها: يا بنية، إن الناس قد أكثروا فيك فأنبئيني نبأك, فإن يكن الرجل صادقا دسست عليه من يقتله، فتنقطع عنك المقالة له، وإن يكن كاذبا حاكمته إلى بعض كهان اليمن، فقالت: لا والله ما هو بصادق، فقال له: يا فاكه، إنك قد رميت بنتي بأمر عظيم، فحاكمني إلى بعض الكهان.

فخرج الفاكه في جماعة من بني مخزوم، وخرج عتبة في جماعة من عبد مناف، ومعهم هند ونسوة. فلما شارفوا البلاد, وقالوا: غدا نرد على الرجل، تنكرت حال هند. فقال لها عتبة: إني أرى ما حل بك من تنكر الحال، وما ذاك إلا لمكروه عندك. قالت: ولا والله يا أبتاه, ما ذاك لمكروه، ولكني أعرف أنكم تأتون بشرا يخطئ ويصيب, ولا آمن أن يسمني ميسما يكون عليَّ مسبة، فقال لها: إني سوف أختبره لك, ثم أدخل في إحليل فرسه حبة بر، وأوكأ عليها بسير. فلما قدموا على الرجل أكرمهم ونحر لهم، وقال له عتبة: جئناك في أمر، وقد خبأت لك خبئا أختبرك به، وانظر ما هو؟ قال: ثمرة في كمرة. قال: أوضح، قال: حبة بر في إحليل مهر، قال: صدقت، انظر في أمر هؤلاء النسوة، فجعل يدنو من إحداهن، فيضرب بيده على كتفها ويقول: انهضي، حتى دنا من هند، فقال لها: انهضي غير رسحاء١ ولا زانية، وستلدين ملكا يقال له: معاوية، فنهض إليها الفاكه، فأخذ بيدها فجذبت يدها من يده، وقالت: إليك عني، فوالله لأحرص أن يكون ذلك من غيرك، فتزوجها أبو سفيان".


١ الرسحاء: قليلة لحم العجز والفخذين.

<<  <   >  >>