للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"وليس من شك عندي في أنها استكثرت بنوع خاص من هذا الشعر الذي يهجى به الأنصار".

والدكتور طه يعتقد أن السياسة كانت سببا في انتحال الشعر، وأن العصبية بين قريش والأنصار دعت إلى أن يتزيد كل فريق من أشعار الهجاء في الفريق الآخر, وسود تسع صفحات في مسألة "المهاجاة بين المهاجرين والأنصار" وحدها، ولكنه لم يذكر في بحثه الطويل كلمة واحدة تتصل بأن فريقا من الفريقين اختلق شعرا, ونسبه إلى شعرائه في الجاهلية.

ويقول الشيخ محمد الخضر حسين في نقده لهذا الرأي: "وبعد ذلك كله، ألم يكن من واجب المؤلف -وهو أستاذ كبير- أن يذكر لقراء كتابه بعض الشعر الذي وضعته قريش في الإسلام، ونسبته إلى بعض شعرائهم في الجاهلية، وكان الداعي إلى وضعه السياسة؟ "١.

ونحن نعتقد أن الشعر القرشي قد دخله شيء من التزيد لهذا السبب أو لغيره من الأسباب، ولكن هذا الاعتقاد لا يجعلنا نطرح هذا الشعر جملة من حساب التاريخ، وإنما حسبنا ما نبه إليه الأقدمون من مواطن الكذب أو الانتحال، نشير إليها، ونطرحها لتبقى لنا بعد ذلك أشعار صحيحة, راجحة الكفة أو أدنى إلى الرجحان في هذا الميزان.

وقد تحدث صاحب الأغاني بإسناد له، عن عبد العزيز بن أبي نهشل، أنه قال: قال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وجئته أطلب منه مغرما: يا خال, هذه أربعة آلاف درهم وأنشد هذه الأبيات الأربعة، وقل: سمعت حسانا ينشدها رسول الله, صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: أعوذ بالله أن أفتري على الله ورسوله، ولكن إن شئت أن أقول, سمعت عائشة تنشدها فعلت, فقال: لا، إلا أن تقول: سمعت حسانا ينشدها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس. فأبى علي، وأبيت عليه، فأقمنا لذلك لا نتكلم عدة ليال. فأرسل إلي، فقال: قل أبياتا


١ في الأدب الجاهلي، ص١٢٤.

<<  <   >  >>