للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلنبدأ بمناقشة أقوال من ذهب إلى أنها منحولة، ثم نعقب بما يثبت رأينا من الأخبار والأقوال.

قال التبريزي: قال: قال النمري١: ومما يدل على أنها لخلف الأحمر قوله فيها: "جل حتى دق فيه الأجل"، فإن الأعرابي لا يكاد يتغلغل إلى مثل هذا. قال أبو محمد الأعرابي٢: هذا موضع المثل: "ليس بعشك فادرجي" وليس هذا كما ذكره، بل الأعرابي قد يتغلغل إلى أدق من هذا لفظا ومعنى, وليس من هذه الجهة عرف أن الشعر مصنوع، لكن من الوجه الذي ذكره لنا أبو الندى٣.

قال: "مما يدل على أن هذا الشعر مولد أنه ذكر فيه سلعا، وهو بالمدينة، وأين تأبط شرا من سلع؟ وإنما قتل في بلاد هذيل ورمي به في غار يقال له: رخمان". وفي هذا النقض دليل على إحساس الأقدمين أنفسهم بضعف قول من قال: إن هذه القصيدة لخلف نحلها تأبط شرا أو ابن أخته، وما هو هذا المعنى الفلسفي العميق الذي لا يستطيع أن يتغلغل إليه الأعرابي؟ إنه كما قالوا نصف بيت في القصيدة كلها وهو قوله: جل حتى دق فيه الأجل. فإذا كشفت عن هذا المعنى لم تجده يعني شيئا غير قوله: إن وفاة هذا الرجل لأمر عظيم يصغر بإزائه كل عظيم من الأمور. فأي عمق في هذا القول لا يدركه الأعرابي ومن هو دون الأعرابي٤.

بيد أن الدليل الذي أقامه أبو الندى على أنقاض هذا الدليل؛ لإثبات أن هذه القصيدة مصنوعة، وهو أن الشاعر ذكر سلعا وسلع: جبل بالمدينة،


١ أحد شراح حماسة أبي تمام المتقدمين قبل التبريزي.
٢ هو الحسن بن أحمد المعروف بالأسود الفندجاني, علامة نسابة, عارف بأيام العرب وأشعارها, من رجال آخر القرن الرابع والنصف الأول من القرن الخامس. "ترجمته في نزهة الألباء ٢٣٩، ومعجم الأدباء ٧/ ٢٦١-٢٦٥".
٣ هو محمد بن أحمد، أبو الندى، كان أبو محمد الأعرابي يكثر من الرواية عنه والاعتماد عليه "معجم الأدباء ١٧/ ١٥٩-١٦٤".
٤ المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها, تأليف: الدكتور عبد الله الطيب ص٧٦, ٧٧, التعليق رقم ١.

<<  <   >  >>