للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن تحول بيننا وبين ذلك عقبة لغوية عنيفة، وإذًا فنحن نستطيع أن نستأنف هذا البحث في سفر آخر، وسترى أن الشعراء الجاهليين من مضر قد أدركوا الإسلام كلهم أو أكثرهم، فليس غريبا أن يصح من شعرهم شيء كثير"١، وقد وفى بوعده فذكر في كتابه: "في الأدب الجاهلي" رأيه في الشعر المضري الذي يتلخص في قوله: "ونحن لا نقف من الشعر المضري الجاهلي موقف الرفض أو الإنكار؛ لأن الصعوبة اللغوية التي اضطرتنا إلى أن نرفض شعر الربعيين واليمنيين لا تعترضنا بالقياس إلى المضريين، فقد بينا غير مرة أننا نعتقد أن لغة القرشيين قد ظهرت في الحجاز ونجد قبيل الإسلام, وأصبحت لغة أدبية في هذا القسم الشمالي من بلاد العرب. وإذًا فليس يبعد -بوجه من الوجوه- أن يكون الشعراء الذين نجموا في هذه الناحية، قد قالوا الشعر في هذه اللغة القرشية الجديدة، بل نحن لا نشك في هذا ولا نتردد في القطع به ... ٢".

لسنا نشك في أنه قد كان لمضر شعر في الجاهلية، ولسنا نشك أيضا في أن هذا الشعر قديم العهد، بعيد السابقة، أقدم وأبعد مما يظن الرواة والمتقدمون من العلماء. ولكننا لا نشك أيضا في أن هذا الشعر قد ذهب، وضاعت كثرته، ولم يبق لنا منه إلا شيء قليل جدا لا يكاد يمثل شيئا، وهذا المقدار القليل الذي بقي لنا من شعر مضر قد اضطرب، وكثر فيه الخلط والتكلف والنحل، حتى أصبح من العسير جدا -إن لم يكن من المستحيل- تلخيصه وتصفيته.

ويلخص الدكتور طه حسين موقفه من الشعر الجاهلي بقوله:

"إننا نرفض شعر اليمن في الجاهلية، ونكاد نرفض شعر ربيعة أيضا ... وأقل ما توجبه علينا الأمانة العلمية، أن نقف من الشعر المضري الجاهلي، لا نقول: موقف الرفض أو الإنكار، وإنما نقول: موقف الشك والاحتياط"٣.


١ في الشعر الجاهلي، ص١٨١, ١٨٢, الطبعة الأولى ١٩٢٦.
٢ في الأدب الجاهلي، الطبعة الرابعة، ص٢٧٥, ٢٧٦.
٣ في الأدب الجاهلي ص٢٧١، ٢٧٥.

<<  <   >  >>