وقد كان الباحثون من الفرنجة يرون خطأ وإنما أن القرآن تأثر باليهودية والنصرانية ومذاهب أخرى كانت شائعة في البلاد العربية وما جاورها. ولكنهم رأوا أن يضيفوا إلى هذه المصادر مصدرا عربيا خالصا، والتمسوا هذا المصدر من شعر العرب الجاهليين، ولا سيما الذين كانوا يتحنفون منهم. وزعم "كليمان هوار" -في فصل طويل, نشرته له المجلة الأسيوية سنة ١٨٠٤- أنه قد ظفر من ذلك بشيء قيم, واستكشف مصدرا جديدا من مصادر القرآن، هذا الشيء القيم وهذا المصدر الجديد هو شعر أمية بن أبي الصلت. وقد أطال "هوار" في هذا البحث, وقارن بين هذا الشعر الذي ينسب إلى أمية بن أبي الصلت وبين آيات القرآن، وانتهى من هذه المقارنة إلى نتيجتين:
الأولى: أن هذا الشعر الذي ينسب إلى أمية بن أبي الصلت صحيح؛ لأن هناك فروقا بين ما جاء فيه وما جاء في القرآن من تفصيل بعض القصص، ولو كان منتحلا لكانت المطابقة تامة بينه وبين القرآن، وإذا كان هذا الشعر صحيحا فيجب في رأي الأستاد "هوار" أن يكون النبي قد استعان به قليلا أو كثيرا في نظم القرآن.
الثانية: أن صحة هذا الشعر, واستعانة النبي به في نظم القرآن قد حملتا المسلمين على محاربة شعر أمية بن أبي الصلت ومحوه؛ ليستأثر القرآن بالجدة، وليصح أن النبي قد انفرد بتلقي الوحي من السماء.
وعلى هذا النحو العجيب استطاع "هوار" أو خيل إليه أنه استطاع أن يثبت أن هناك شعرا جاهليا صحيحا, وأن هذا الشعر الجاهلي قد كان له -في رأيه الخاطئ- أثر في القرآن.
ويعلق الدكتور طه حسين على ذلك بقوله: والغريب من أمر المستشرقين في هذا الموضوع أنهم يشكون في صحة السيرة نفسها، ويتجاوز بعضهم الشك إلى الجحود، فلا يرون في السيرة مصدرا تاريخيا صحيحا، وإنما هي عندهم طائفة من الأخبار والأحاديث تحتاج إلى التحقيق والبحث العلمي الدقيق ليمتاز صحيحها من منتحلها. هم يقفون هذا الموقف من السيرة ويغالون في هذا