الموقف، ولكنهم يقفون من أمية بن أبي الصلت وشعره موقف المستيقن المطمئن, مع أن أخبار أمية ليست أدنى إلى الصدق, ولا أبلغ في الصحة من أخبار السيرة.
فما سر هذا الاطمئنان الغريب إلى نحو من الأخبار, دون النحو الآخر؟!
أيمكن أن يكون المستشرقون أنفسهم لم يبرءوا من هذا التعصب الذي يرمون به الباحثين من أصحاب الديانات؟!
ويقف الدكتور طه حسين من شعر أمية نفس الموقف الذي وقفه من شعر الجاهليين جميعا، فيقول:"وحسبي أن شعر أمية بن أبي الصلت لم يصل إلينا إلا من طريق الرواية والحفظ لأشك في صحته كما شككت في صحة امرئ القيس والأعشى وزهير، وإن لم يكن لهم من النبي موقف أمية بن أبي الصلت".
ثم إن الموقف نفسه، يحملني على أن أرتاب في شعر أمية بن أبي الصلت، فقد وقف أمية من النبي موقف الخصومة، هجا أصحابه، وأيد مخالفيه، ورثى أهل بدر من المشركين، وكان هذا وحده يكفي لينهى عن رواية هذا الشعر، وليضيع هذا الشعر كما ضاع الكثير من الشعر الوثني الذي هجي فيه النبي وأصحابه حين كانت الخصومة شديدة بينهم، وبين مخالفيهم من العرب الوثنيين واليهود. وليس يمكن أن يكون من الحق في شيء أن النبي نهى عن رواية شعر أمية لينفرد بالعلم والوحي وأخبار الغيب؛ فما كان شعر أمية بن أبي الصلت إلا شعرا كغيره من الشعر، لا يستطيع أن ينهض للقرآن كما لم يستطع غيره من الشعر أن ينهض القرآن. وما كان علم أمية بن أبي الصلت بأمور الدين إلا كعلم أحبار اليهود ورهبان النصارى، وقد ثبت النبي لأولئك وهؤلاء واستطاع أن يغلبهم، فأمر النبي مع أمية بن أبي الصلت كأمره مع هؤلاء الشعراء الكثيرين الذين هجوه وناهضوه وألبوا عليه.
ومن هنا تستطيع أن تفهم ما يروى من أن النبي أنشد شيئا من شعر أمية فيه دين وتحنف، فقال:"آمن لسانه وكفر قلبه". آمن لسانه لأنه كان يدعو إلى مثل ما كان يدعو إليه النبي، وكفر قلبه لأنه كان يظاهر المشركين على صاحب هذا الدين محمد الصادق الأمين، فأمره كأمر هؤلاء اليهود الذين أيدوا النبي ووادعوه، حتى إذا