وهي تتضمن القصائد التي أوردها الأعلم من رواية الأصمعي وأبي عبيدة, والقصيدتين اللتين اختارهما من رواية أبي عمرو والمفضل.
فإذا عدنا إلى الحديث عن رواية الأصمعي وجدنا أنها خمس عشرة قصيدة ومقطعة فقط، وذلك أن الأعلم قد أورد ثماني عشرة قصيدة ذكر في ختامها أنها رواية الأصمعي، ولكن الأعلم ذكر -في معرض حديثه عن ثلاث من هذه القصائد- أن الأصمعي لم يكن يعرفها, وأنه أسقطها من روايته. وبذلك يكون ما صححه في روايته من شعر زهير, خمس عشرة قصيدة ومقطعة. وقد وجدنا أن هذه القصائد الخمس عشرة كلها مضمنة في القصائد التي رواها علماء الكوفة لزهير، وأن أحدا من العلماء لم يطعن عليها في صحة نسبتها بشيء، وإن كان ثمة خلاف في نسبة أبيات قليلة من بعض هذه القصائد.
وبذلك نستطيع أن نطمئن إلى أن هذه القصائد الخمس عشرة هي التي أجمع الرواة، من البصريين والكوفين، على صحة نسبتها لزهير، فنتخذها أصلا صحيحا لديوانه؛ ندرسها دراسة فنية تكشف خصائصها، وتبين ما فيها من عناصر شخصية الشاعر؛ لنتخذ من ذلك مقياسا فنيا نحتكم إليه في القصائد الأخرى التي رواها الكوفيون، فما انطبق منها على هذا المقياس رجحنا صحة نسبته إلى زهير وضممناه إلى ديوانه, وما لم يستقم منها مع المقياس رجحنا أنه مما نسب خطأ إلى زهير أو وضع عليه.
فإذا ما بحثنا عن الجذور الأولى لديوان زهير، وجدناها جذورا عميقة تضرب في القدم حتى لتكاد تتصل بزهير نفسه، ثم تمتد منه خلال القرون الأولى حتى تتصل -في مطلع القرن الثاني- بأبي عمرو بن العلاء، وبحماد الراوية، ثم من بعدهما بالأصمعي وسائر علماء البصرة والكوفة. فقد ذكر السكري أن ديواني زهير وكعب كانا عند بني غطفان، فكانوا يحفظون شعرهما؛ وذلك لأن زهيرا وابنه كعبا كانا مقيمين في بني عبد الله بن غطفان. وكان عمر بن الخطاب يقدم زهيرا ويفضله، وكذلك جريرا الذي قال عنه: إنه أشعر أهل الجاهلية.