للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن تكن الحضارة أعجبته ... فأي رجال بادية ترانا

ومن ربط الجحاش فإن فينا ... قنا سلبا وأفراسا حسانا١

وكن إذا أغرن على جناب ... وأعوزهن نهب حيث كانا٢

أغرن من الضباب على حلول ... وضبة إنه من حان حانا٣

وأحيانا على بكر أخينا ... إذا ما لم نجد إلا أخانا

هذا قليل من كثير مما أثر عن العرب في حب الحرب، وخوض المعارك، ولهم أيام مشهورة٤.

فالعرب بطبيعتهم أمة مغالبة مجالدة، مساورة معاندة، لا ترضى بالضيم، ولا تقيم على الذل، ولا تغضي على الهوان، ولقد مردوا على المخاطرة، واعتادوا القتل والقتال, وألفوا الصولة والصيال، فانتزعت من نفوسهم غريزة الخوف، وغلبت عليهم الحرية الشخصية، وصارت الحرب عندهم تهيج لأوهى سبب، وتشعل لأقل حادث، وما تخبو إلا لتستعر. وقد تظل ملتهبة بين القبائل أعواما طوالا، لا تهدأ نارها، ولا يخبو أوارها.

وللعرب كثير من الوقائع العظيمة التي هاجت قبائلهم، وأثارت عصبياتهم، والتي تحدث عنها الشعراء في أشعارهم، وكانت مادة رائعة للسمار والمحدثين في حقب طويلة، وأعصار بعيدة. قال ابن عبد ربه: "إنها -أيام العرب-


١ القنا: الرماح، سلبا: تسلب النفوس, جمع سلوب.
٢ الجناب: الناحية.
٣ الضباب: عدة قبائل منها: ضبة وحسل. الحلول: الذين يكونون في مكان واحد. حان حانا أي: من هلك بغزونا فقد هلك حقا، أو من حان أجله هلك.
٤ الأيام أي: الوقائع التي حدثت في الأيام، وفي القرآن الكريم: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} , قال الزمخشري: أي: أنذرهم بوقائعه التي وقعت على الأمم قبلهم؛ كقوم نوح، وعاد، وثمود، ومنه أيام العرب لحروبها وملاحمها. قال عمرو بن كلثوم:
وأيام لنا غر طوال ... عصينا الملك فيها أن ندينا
ومنا هنا كانوا يقولون: يوم لك ويوم عليك.

<<  <   >  >>