للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونلاحظ أن المعاني اللغوية الأخرى لمادة "سياسة" في اللغات الإفرنجية وثيقة الصلة بالمعنى الجوهري الذي يعنينا، وهو: الهيمنة على أمور الأمة وتنظيم شئونها. ذلك أن السياسة -في الواقع- تقتضي الحذق والبراعة والفطنة واللقانة ... ولم تذكر هذه المعاني في المادة "سياسة" العربية. إلا أن هذه المادة وردت كما سبق بمعنى الترويض, والترويض بطبيعته يقتضي الحذق والمهارة والقدرة الفائقة على تذليل الصعائب.

ووردت السياسة بمعنى الخداع والمكر في الإنجليزية، ولم ترد كذلك في العربية. ولعل في هذا المعنى يكمن الفرق بين النفس العربية والنفس الإنجليزية.

وإذا أنشدنا معنى السياسة عند المحدثين وجدناها تعني: حكم الأمم أو فن هذا الحكم، ووجدنا علم السياسة: هو ما يبحث في حكم الأمم من حيث أشكاله ونظمه ومقدار ملاءمته لأحوال الشعوب سواء أكان هذا البحث تاريخيا يتناول نظم الحكم في أطوارها المتعاقبة أم واقعيا يتناولها كما هي الآن. وإذا كان علم السياسة يتناول الحياة الداخلية للدولة أولا، ثم يتناول العلاقات بين الدول ثانيا, ومعنى ذلك أن يكون موضوع هذا العلم ذا شقين: النظم والأشكال التي تخضع لها الحكومات, كل في داخلها، والنظم والالتزامات التي تربط الدول كلا بالأخرى. وهناك الجانب الثاني وهو ما يدعى في القانون الدولي بالسياسة داخلية وخارجية كما هو معروف، والسياسة الخارجية تقوم بين الدول على قوانين السلم والحرب١.

وإذا كانت هذه هي السياسة، فماذا عسى أن يكون الشعر السياسي؟! إنه بالطبع ذلك الشعر الذي يتصل بها سواء كانت داخلية أو خارجية. وبعبارة أخرى هو: ذلك الفن من الكلام الذي يتصل بنظام الدولة الداخلي، وعلاقتها الخارجية بالدول الأخرى.


١ راجع كتاب "الشعر السياسي" ص٣.
و Leacock: Elements bf Political Science.

<<  <   >  >>