ويحسن بمؤرخي الأدب العربي أن يذهبوا في تفسير الشعر الجاهلي مذهبا أوسع أفقا، فيفسروه على اعتبار أن كثرته شعر قبلي أو سياسي قيل في سبيل القبيلة أو الإمارة أو الجمهورية، وكان خاضعا في إنشائه لهذه الغاية وهي مكانة القبيلة، وسيادتها، على الرغم من أنه كان مدحا وهجاء وفخرا ورثاء، فكل تلك, كانت في الغالب فنونا جزئية أو معاني فرعية لهذا الموضوع العام أو الهدف الرئيسي, وهو دولة القبيلة أو الإمارة أو الجمهورية كما سنرى.
والشعر القبلي والسياسي في الجاهلية يمكن رده إلى الأبواب الآتية:
أولا: شعر يقال في تأييد القبيلة, والتحفي بها، وبكاء موتاها، ووصف مرابعها، ونحو ذلك مما هو تاريخ لحياتها الخاصة.
ثانيا: شعر يقال ثورة عليها وهجاء لها؛ إذ قصرت في رعاية الفرد أو في الاحتفاظ بمكانتها وشرفها.
ثالثا: شعر هو فخر بالقبيلة على أعدائها, وهجاء لهم, ووعيد لهم بالويل والثبور، ثم تأييد لمكانة القبيلة عند احتكام أو مفاخرة.
رابعا: شعر هو ثورة على النظام القبلي أو الاجتماعي كله، ولا سيما ذلك النظام الاقتصادي الذي كون في نفوس الفقراء تبرما, فكان منهم الصعاليك١.
٣- أول ما يلقانا من هذا الشعر القبلي ما كان تحفيا بالقبيلة واعتزازا بمكانتها؛ لأنها موئل الشاعر ومعقد رجائه، ودولته التي يعيش في كنفها ويرتبط معها بهذا العقد الاجتماعي الذي أصلته التقاليد ووثقته العادات والنظم، فصار كلا الطرفين مكملا للآخر لا يستغنى عنه؛ هذا الاعتزاز بالقبيلة يدفع الشاعر إلى التغني بمآثرها وذكر قديمها, وما تمتاز به بين القبائل, دون أن يكون ذلك تعاليا على قبيلة بعينها, أو ردا على