للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد سلفت هذه القصة أثناء حديثنا عن "الحكم في يثرب". وفي هذه الحادثة يقول بعض الشعراء الحجازيين:

هل كان للفطيون عقر نسائكم ... حكم النصيب فبئس حكم الحاكم

حتى حباه مالك بمرشة ... حمراء تضحك عن نجيع قاتم١

وهذا الشداخ بن عوف الكناني يشرع سيفه في وجه الملوك، ويصور إباء قومه وأنفتهم، فهم لا يسمحون لأي إنسان أن يستبد بمظلمة لهم سواء كان ملكا كبيرا أو صعلوكا صغيرا. وإذا ما ساورت أي مستبد نفسه أن يظلمهم فلن يرى إلا الرماح المشرعة، والسيوف الصارمة التي يأخذ العين لمحها كما يأخذها برق الصواعق. ولنستمع إليه وهو يقول:

أبينا فلا نعطي مليكا ظلامة ... ولا سوقة إلا الوشيج المقوما

وإلا حساما يبرق العين لمحه ... كصاعقة في غيث مزن تركما

وكان الشاعر الحجازي الحارث بن ظالم الذبياني أحد سراة بني مرة وأشرافهم, جريئا, فاتكا، فتك بخالد بن جعفر الكلابي وهو نازل على النعمان، بل فتك بابن النعمان نفسه، وكان في حجر أخته سلمى بنت ظالم المري.

وما أروع موقفه في قصيد ثائر، وهو يخاطب النعمان ويتهدده ويتوعده بالقتل، كما قتل خالد بن جعفر من قبل ... وإن الشاعر هنا ليثور لجيران له أصابهم شر المليك، في إبلهم وأموالهم وأنفسهم ... ويقسم أنه لولا ما يتحجب به الملك من الحجاب والحراس، لمزقه بسيفه الصارم. ولنستمع إليه وهو يقول:

قفا فاسمعا أخبركما إذ سألتما ... محارب مولاه وثكلان نادم٢


١ طعنة مرشة: واسعة, ذات رشاش من الدم. وراجع في هذه الحادثة ص١٥٢ من هذا الكتاب. واسم الفطيون مختلف فيه؛ أهو الفطيون أم الفيطون أم القيطون أم القيطور.
٢ محارب مولاه، يقصد نفسه لأنه فيك بابن الملك. وثكلان نادم، يعني الملك لأنه فقد ولده.

<<  <   >  >>