للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي رواية أخرى لهذه الحادثة عن يونس عن ابن إسحاق أنهم "استعدوا عليه بني سهم، فأسلموه إليهم فضربوه، وحلقوا شعره، وربطوه إلى صخرة بالحجون، فاستغاث قومه فلم يغيثوه, فجعل يمدح قصيا ويسترضيهم، فأطلقه بنو عبد مناف منهم وأكرموه؛ فمدحهم بأشعار كثيرة"١.

وسواء صحت هذه الرواية أو تلك, فإن الذي يعنينا هنا هو الإشارة إلى أن هناك نوعا من النقد السياسي اصطبغ بصبغة أدبية أو شعرية, وهو الشعر الذي يمثل وجهة نظر المعارضة في الحكومة القائمة.

١٢- وأقوى ما يكون الشعر السياسي، حين يتجه إلى الملوك والحكام المستبدين بالنقد والسخط، والغضب والحقد، والتهديد والوعيد، فيعلنها الشاعر الحر ثورة عارمة في وجوه الطغاة، ويشنّها عليهم حربا كلامية حامية الوطيس، مشتعلة الأوار.

وهذا اللون من الشعر ديدنه الحرية، والوقوف في وجه الطغيان، ولا غرو إذا ما تجاوبت معه النفوس في كل زمان ومكان؛ ذلك لأنه مبني على إنكار الذات، ويستند إلى عاطفة إنسانية عميقة الجذور في النفس البشرية.

وقد عرف الحجازيون في العصر الجاهلي هذا اللون من الشعر الثائر، والسخط على الطغاة المستبدين؛ لإبائهم وشممهم، ونفورهم من التحكم والاستبداد، بل إن منهم من بلغت به الجرأة أن يركب الهول، ويقتحم على الملك مخدعه غير عابئ بأسلحة الحراس التي يكمن فيها الموت الزؤام، فيعلو الظالم الغشوم بسيفه ويطعنه طعنة نجلاء تودي بحياته وتتركه مثلة للحاكمين الظالمين ... ذلك هو مالك بن العجلان الخزرجي الذي فتك بالفطيون حاكم يثرب؛ لأنه اعتزم أن يرتكب الفحشاء مع أخته قبل أن تزف إلى زوجها.


١ الروض الأنف ١/ ٩٤.

<<  <   >  >>