للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما الحرب إلا ما علمتم ودقتم ... وما هو عنها بالحديث المرجم

متى تبعثوها تبعثوها ذميمة ... وتضر إذا ضريتموها فتضرم

فتعرككم عرك الرحى بثفالها ... وتلقح كشافا ثم تنتج فتتئم

فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم ... كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم

فتغلل لكم ما لا تغل لأهلها ... قرى بالعراق من قفيز ودرهم

وللشاعر الحجازي حلحلة بن قيس الكناني قصيدة رائعة يصور فيها شرور الحرب وآثارها المدمرة حتى على المنتصرين أنفسهم، وقد نهى فيها أبا عمرو عن الحرب ودعاه إلى السلم, ولما لم ينته وأمعن في شره اضطر إلى أن يقابل الشر بالشر والرمي بالرمي, حتى نكبوا جميعا وأصبح الفريقان يندبون قتلاهم في المعركة التي أوقد لظاها ذلك السفيه الجهول:

نهيت أبا عمرو عن الحرب لو يرى ... برأي رشيد أو يئول إلى عزم

وقلت له: دع عنك بكرا وحربها ... ولا تركبن منها على مركب وخم

ومهلا عن الحرب التي لا أديمها ... صحيح ولا تنفك تأتي على سقم

فإن يظفر الحزب الذي أنت فيهم ... وآبوا يدهم من سباء ومن غنم

فلا بد من قتلى، وعلك فيهم ... وإلا فجرح ليس يكفي عن العظم

دعاني يشب الحرب بيني وبينه ... فقلت له: لا، بل هلم إلى السلم

فلما أبى أرسلت فضلة ثوبه ... إليه فلم يرجع بعزم ولا حزم

وأمهلته حتى رماني بحرهما ... تغلغل من غي غوي ومن إثم

فلما رمانيها رميت سواده ... ولا بد أن ترمي سواد الذي يرمي

فبتنا على لحم من القوم غُودرت ... أسنتنا فيه، وباتوا على لحم

وأصبح يبكي من بنين وإخوة ... حسان الوجوه طيبي الجسم والنسم

ونحن نبكي إخوة وبنيهم ... وليس سواء قتل حق على ظلم١

وفي هذا المعنى, يقول معن بن أوس:

دعاني أشب الحرب بيني وبينه ... فقلت له لا بل هلم إلى السلم

وإياك والحرب التي لا أديمها ... صحيح ولا تنفك تأتي على رغم


١ حماسة البحتري ٧٣, ٧٤.

<<  <   >  >>