للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما أبى خليت فضل عنانه ... إليه فلم يرجع بحزم ولا عزم

فكان صريع الخيل أول وهلة ... فبعدا له مختار جهل على علم١

وكان من عادة بعضهم بذل الود واللجوء إلى السلم ورعاية صداقات الرجال, حتى إذا لم يجدوا ذلك عمدوا إلى الحزم والعزم, ففلقوا هامات الأعداء وقطعوا منهم الأكف والمعاصم؛ لأنهم لا يبتاعون الحياة بالذلة ولا يفرقون من الموت فيرتقوا سلم النجاة خشية منه، وفي هذا يقول حصين بن الحمام المري من قصيدة:

ولما رأينا الصبر قد حيل دونه ... وإن كان يوما ذا كواكب مظلما

صبرنا وكان الصبر منا سجية ... بأسيافنا يقطعن كفا ومعصما

تفلق هاما من رجال أعزة ... علينا وهم كانوا أعق وأظلما

ولما رأيت الود ليس بنافعي ... عمدت إلى الأمر الذي كان أحزما

فلست بمبتاع الحياة بذلة ... ولا مرتق من خشية الموت سلما

٥- وكانت المرأة الحجازية تشارك مشاركة فعلية في الحرب، وإلى ذلك أشار قيس بن الخطيم بقوله:

أطاعت بنو عوف أميرا نهاهم ... عن السلم حتى كان أول راجب

رأيت لعوف أن تقول نساؤهم ... ويرمين دفعا: ليتنا لم نحارب٢

وإذًا, فقد كان النساء الخزرجيات يقذفن الحجارة على رءوس الأوس من الحصون والآطام, وكان ذلك في حرب حاطب.

بل لقد كانت المرأة الحجازية تقدم حيث يحجم الرجل، وتشجع حين يجبن، ففي يوم أحد سقط لواء قريش فلم يتقدم لرفعه أحد، وشمرت هند بنت عتبة وصواحبها ليهربن، فتقدمت عمرة بنت علقمة الحارثية ورفعته، فتراجع


١ جمهرة الأمثال لأبي هلال ٩٣.
٢ ديوان قيس بن الخطيم. راجب: ميت. يرمين دفعا: يرميننا من فوق الآطام؛ دفاعا عن أنفسهن.

<<  <   >  >>