للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فدى للفارس الجشمي نفسي ... أفديه بمن لي من حميم

أفديه بكل بني سليم ... بظاعنهم وبالإنس المقيم

كما من هاشم أقررت عيني ... وكانت لا تنام ولا تنيم

خصصت بها أخا الأمراء قيسا ... فتى في بيت مكرمة كريم١

٦- ولقد تحدث "نيكلسون" عن الشنفرى وتأبط شرا بوصفهما طرازين يصوران المثل الأعلى للبطل العربي, فقال ما فحواه: "نستطيع أن نتخذ الشنفرى الأزدي وزميله تأبط شرا نموذجا للبطل العربي المثالي، فكلاهما خليع خارج عن النظام، سريع العدو، وشاعر ممتاز، ولا سيما الأول منهما"٢.

حقا, إنه يتجلى في هذين البطلين كثير من السمات العربية الأصيلة؛ كالشجاعة والكرم, والشاعرية الجيدة، والاشتراكية، إلا أنهما يعتبران من صعاليك العرب الخارجين على القانون والنظام العام المتعارف عليه لدى القبائل، ومن اللصوص المغيرين -وإن كانا في الواقع أشرف ألف مرة من المستعمرين الغربيين في القرن العشرين- ونحن لا نعترض على "نيكلسون" في اعتبارهما بطلين، وإنما اعتراضنا على ضربهما مثلا أعلى للبطولة العربية؛ لأن في هذا جرحا لهذه البطولة, ومن ذا الذي يقدر هذا المثل، إذا عددنا من مميزاته الأصلية, اللصوصية والنهب والسلب والتشرد في متاهات الصحراء وأقنان الجبال مع الذئاب والنمور والضباع؟!

لقد كانت قريش تعف عن السلب والنهب؛ ولهذا اتخذت لها من التجارة رحلة في الشتاء والصيف كوسيلة شريفة للكسب الحلال.

فإذا أردنا أن نلتمس المثل الأعلى للبطولة العربية، فإنه يجدر بنا أن نبحث عن شخصية أكثر تكاملا، شخصية تدنو من معنى "الفتوة" عند العرب.


١ ديوان الخنساء ٢٣١, وبلاغات النساء ١٦٧, والأغاني ١٣/ ١٤٠, ولسان العرب ١٦/ ٧٨.
٢ Aliterary History of the Arabs p. ٧٩.

<<  <   >  >>