للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والبطل العربي المثالي في رأينا هو الذي جمع من الفضائل ما يجعله مرموق المنزلة في قومه ومجتمعه العربي, فهو لين الجانب لقومه, يستشير كبارهم، ويكرم صغارهم, ويسمح بماله, ويحمي حريمه، ويعز جاره, ويعين من استعان به، ويسرع إذا ناداه الصريخ, ويبسط حمايته على الضعيف، ويقف في وجه القوي.

وقد جمع شيئا من هذه الخصال ذو الإصبع العدواني في وصيته إلى ابنه "أسيد", إذ يقول:

"ألن جانبك لقومك يحبوك، وتواضع لهم يرفعوك، وابسط لهم وجهك يطيعوك ولا تستأثر عليهم بشيء يسودوك، وأكرم صغارهم كما تكرم كبارهم يكرمك كبارهم، وينشأ على مودتك صغارهم، واسمح بمالك واحم حريمك، وأعزز جارك وأعن من استعان بك وأكرم ضيفك، وأسرع النهضة في الصريخ؛ فإن لك أجلا لا يعدوك، وصن وجهك عن مسألة أحد شيئا؛ فبذلك يتم سؤددك".

وفي كتب الأدب العربي شخصية رائعة، وهي خليقة بأن تضرب مثلا للفروسية العربية في أروع مظاهرها. وتلك هي شخصية "ربيعة بن مكدم الكناني" أحاط بها شيء يشبه الأساطير؛ فقد ذكروا عنه أنه حمى الظعينة وهو ميت، وضرب به المثل فقيل: "أحمى من مجير الظعن" حتى قال أبو عمرو بن العلاء: ما نعلم قتيلا حمى ظعائن غير ربيعة بن مكدم، وهو من بني فراس بن غنم بن مالك بن كنانة، وهم أنجد العرب، وكان الرجل منهم يعدل عشرة من غيرهم١.

وربيعة هو الذي كاد يقتل الفارس الشهير عمرو بن معديكرب, وقد أكبر عمرو شجاعته وأشاد بها. وهو كذلك الذي صرع ثلاثة من خيرة الفرسان واحدا بعد الآخر. وذلك أن دريد بن الصمة الفارس المشهور خرج ذات يوم في فوارس من بني جشم, حتى إذا كان بوادٍ لبني كنانة وقع له رجل من ناحية الوادي معه ظعينة، فقال لأحد فرسانه: صح به: أن خل الظعينة وانج بنفسك، وهو لا يعرفه, ولما صاح به


١ نهاية الأرب ١٥/ ٣٧٢.

<<  <   >  >>