وقد سجل الشعر الحجازي حياة الحجازيين الخلقية تسجيلا رائعا؛ رسم شجاعتهم وبأسهم، وصور عفتهم وطهرهم وكرمهم ووفاءهم, وغير ذلك من خلالهم الحميدة، وقد تحدثنا عن شجاعتهم وأثرها في شعرهم في فصل "الشعر الحماسي" كما ضربنا مثلا لعفة نسائهم في قصة الفيطون، وممن سجل افتخاره بعفة قومه وطهرهم عمرو بن الأطنابة الشاعر الخزرجي, وذلك إذ يقول:
المانعين من الخنا جاراتهم ... والحاشدين على طعام النازل
كما أن النابغة الذبياني وصف ممدوحيه بطيب الحجزات وهي ما تشد على الوسط، يكني بذلك عن عفتهم ونقاء سريرتهم, وذلك حين يقول:
رقاق النعال طيب حجزاتهم ... يحيون بالريحان يوم السباسب
وسنتحدث فيما يلي عن ثلاث من أبرز خلالهم, وأعظمها أثرا في حياتهم ومجتمعهم, وهي: الكرم، والوفاء، والحلم.
الكرم:
كان الثراء عند الحجازيين -شأنهم شأن العرب جميعا- وسيلة لا غاية، والمال -في نظرهم- غادٍ ورائح، ولكن طيب الذكر وحسن الأحدوثة هو الباقي على الدهر. وكان من بواعث الكرم لدى أجوادهم وأغنيائهم إقبالهم على الميسر زمن الجدب والقحط لينحروا الجزر للمحتاجين والجائعين. وأحاديث كرمهم وقراهم للضيوف معروفة مشهورة، فكرم عبد المطلب الذي كان يقري الإنس والجن والوحش والطير من الصفحات الخالدة. وكذلك الشأن في سماحة أزواد الركب ومطاعيم الريح، وعبد الله بن جدعان الذي كان له منادٍ ينادي بمكة وآخر من فوق دارته المسماح, يدعوان الناس ليقبلوا على تناول الفالوذج وغيره من جفانه الواسعة التي كان يأكل منها القائم والراكب لعظمها, وقد أشاد أمية بن أبي الصلت بكرمه فيما أسلفنا له من شعر.
وإذا ضنّت السماء بالغيث، وشحّت النفوس بما عندها، فإن الحجازي ينحر جزره ويطعمها لجميع الناس. تقول الخنساء في رثاء أخيها صخر الذي تسميه بصخر الندى: