للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإسلام الأولى إبان معركته ضد الشرك, بدليل أن الرواة قد نقلوا لنا جملة صالحة من هذا الشعر وحفظوها.

وثمت سبب ثالث وهو أن كثيرا من الجاهليين وبخاصة الشعراء، لم يكونوا يحفلون بالنزعة الدينية، بل كانوا متحللين منها في كثير من الأحيان. يقول بروكلمان: "ولم تكن الصلة بين القبيلة عند العرب وبين آلهتها وثيقة جدا, كما كانت الصلة عند بني إسرائيل مثلا بين يهود وشعبه"١.

ويتفق نيكلسون مع بروكلمان في هذا الرأي، فيقول: "كان تأثير الدين على حياة العرب قبل الإسلام ضئيلا، حتى لا نتوقع تأثيرا كبيرا له في شعرهم. والعربي لم يكن يولي الدين اهتماما كبيرا، كان تقديره لدينه يقتصر على مزاياه العملية، وإذا غضضنا النظر عن الشهوات، فقد كان العربي البدوي يجد في الدين راحة وأمنا خلال الأشهر الأربعة المقدسة التي يمنع فيها الحرب، في حين كان موسم الحج في مكة يمكنه من الاشتراك في احتفال وطني"٢.

هذا إلى ضعف الوثنية ذاتها في أخريات العصر الجاهلي، إذ صارت عبادة الأوثان عادة أكثر منها عقيدة. قال أبو رجاء العطاردي:

"كنا نعبد الحجر في الجاهلية, فإذا وجدنا حجرا أحسن منه نلقي ذلك ونأخذه، فإذا لم نجد حجرا جمعنا حفنة من تراب، ثم جئنا فحلبنا عليه، ثم طفنا به"٣.

هذه طائفة من الأسباب الجوهرية التي تضافرت على قلة الشعر الديني، ومع ذلك فإن ما سلم من أيدي الضياع من هذا الشعر يمثل إلى حد ما حياة العرب الدينية, سواء كانت وثنية أو غير وثنية.

أما مسألة الشك في الشعر الديني, فقد تعرضنا لمناقشتها في باب سابق، وخاصة شعر أمية بن أبي الصلت الذي سنتحدث بعد قليل عن بعض دلائل الوضع والاختلاق في قصصه الديني وقصائده في الكونيات، وسنتناول بالدرس في هذا شعر الوثنية، والتوحيد.


١ العرب والإمبراطورية العربية ص٢٦.
٢ A Literoyra History of The Arabs p, ١٣٥.
٣ بلوغ الأرب ٢/ ٢٢٧.

<<  <   >  >>