وكانوا في الجاهلية يطوفون في الحج بالبيت الحرام، قال مضاض بن عمرو بن الحارث الجرهمي:
ونحن ولينا البيت من بعد نابت ... نطوف بذاك البيت والخير حاضر
وكان بعض العرب يطوف بالبيت مكشوف السوءة غير الحج لغرض يقصده, فقد مرض أبو جندب -وهو شاعر جاهلي- وكان له جار من خزاعة اسمه خاطم, فقتله زهير اللحياني وقتلوا امرأته، فلما برئ أبو جندب من مرضه خرج من أهله حتى قدم مكة, فاستلم الركن وكشف عن استه وطاف, فعرف الناس أنه يريد شرا, فقال:
إني امرؤ أبكي على جاريه ... أبكي على الكعبي والكعبية
ولو هلكت بكيا عليه ... كانا مكان الثوب من حقويه
فلما فرغ من طوافه وقضى من مكة حاجته, خرج في الخلعاء من بكر وخزاعة فاستجاشهم على بني لحيان, فخرجوا معه حتى صبح بهم بني لحيان في العرج, فقتل فيهم وسبى من نسائهم وذراريهم١.
اللقا: وكان من عادة العرب ألا يطوف أحد بالبيت إلا عريانا ما عدا الحمس, فإنهم كانوا يطوفون وعليهم الثياب, وكان إذا حدث أن طاف الرجل أو المرأة من غير الحمس في ثيابه فإنه يجيء بتلك الثياب التي طاف بها وبطرحها "لقى" حول البيت, فلا يمسها أحد ولا يحركها حتى تبلى من وطء الأقدام ومن الشمس والرياح والمطر. وقد ذكر ورقة بن نوفل "اللقاء" في بعض ما أثر عنه، وذلك إذ يقول:
كفى حزنا كرى عليه كأنه ... لقى بين أيدي الطائفين حريم
نذر الأبناء للكعبة:
وربما نذروا أبناءهم لخدمة الكعبة. ومن ذلك ما روي أن امرأة من جرهم تزوجها أخزم بن العاص وكانت عاقرا, فنذرت أن رزقت غلاما أن تتصدق به على الكعبة يخدمها ويقوم عليها, فولدت من أخزم "الغوث" وتصدقت
١ أخبار مكة ج١ ص١١٢, طبعة مكة.