للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أراني ونعما لابثين معا ... والدهر والعيش لم يهمم بإمرار

أيام تخبرني نعم وأخبرها ... ما أكتم الناس من حاجي وأسراري

لولا حبائل من نعم علقت بها ... لأقصر القلب عنها أي إقصار

فإن أفاق فقد طالت عمايته ... والمرء يخلق طورا بعد أطوار

نبئت نعما على الهجران عاتبة ... سقيا ورعيا لذاك العاتب الزاري

رأيت نعما وأصحابي على عجل ... والعيس للبين قد شدت بأكوار

فريع قلبي وكانت نظرة عرضت ... حينا وتوفيق أقدار لأقدار١

والعذريون الحجازيون يصورون عواطفهم وعواطف أحبائهم في أسلوب شبه قصصي كما يفعل شعراء الغزل المادي، فقيس بن الحدادية يورد ما يجيش به خاطره وما تبثه حبيبته في حوار؛ فهو يسألها: متى ترجع؟ فتجيبه بأن البعد لن يقطع ما بينهما من عهد ومودة, وراحت تشكو إليه ما تلقاه من الوشاة الذين يبثون عن حبهما الإشاعات المؤلمة؛ فيعزيها عن ذلك وينصحها بالصبر والكتمان. فتقول: إن السر لن يتسرب منها؛ لأنه دون حجاب ودون الحجاب الأضالع أيضا ... وحين يأتي المنادي بالرحيل يهرع إليها ويخاطر بحياته ليراها ويودعها، فتبثه خوفها عليه وتتعجب من جرأته:

وقلت لها في السر بيني وبينها ... على عجل أيان من سار راجع

فقالت لقاء بعد حول وحجة ... وشحط النوى لا لذي العهد قاطع

وقد يلتقي بعد الشتات أولو النوى ... ويسترجع الحي السحاب اللوامع

سعى بينهم واشٍ بأفلاق برمة ... ليفجع بالإظعان من هو جازع

بكت من حديث بثّه وأشاعه ... ورصعه واشٍ من القوم راصع

بكت عين من أبكاك لايعرف البكا ... ولا تتخالجك الأمور النوازع

فلا يسمعن سري وسرك ثالث ... ألا كل سر جاوز اثنين شائع

وكيف يشيع السر مني ودونه ... حجاب ومن دون الحجاب الأضالع

وما راعني إلا المنادي: ألا اظعنوا ... ولا الرواعي غدوة والقعاقع


١ ديوان النابغة ٣٨.

<<  <   >  >>