للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنواع الغزل:

نعرف أن الشعر الغزلي يصدر إما عن عاطفة الحب والغرام، وإما أن ينبعث بدافع الشهوة والسعي وراء الغريزة، وإما أن يكون غزلا عفويا كالذي يجيء في أوائل القصائد العربية في الجاهلية والإسلام نوعا ما، وهذا الغزل لا يصدر في أغلب أحواله عن عاطفة وإنما سبيله سبيل ما سنراه عند الشعراء الحجازيين من الغزل الكيدي الذي يتخذه الشاعر وسيلة للنيل من خصمه بذكر محارمه في شعره، فالغزل هنا وسيلة لا غاية, والشعر الذي ينبثق غزله من العاطفة هو الغزل العذري والغزل المادي.

الغزل العذري:

أما الحب العذري فهو الحب الذي لا يدنسه الحبيبان بالشهوة ولا تحوم فوقهما طيور المادية، وقد نسب هذا الحب إلى بني عذرة؛ لأن الحب كان يفتك بهم, وكانوا يستعذبون آلام الحب ويستزيدون أحباءهم منها. وهناك اختلاف في نشأة هذا النوع من الغزل؛ فالدكتور طه حسين يراه وليد السياسة الأموية والمستشرق ماسينيون يراه أثرا من آثار أفلاطون في الشعر العربي، ولكن الدكتور الحوفي يؤكد أنه نشأ في العصر الجاهلي١, وأورد على ذلك شواهد هي قصائد مستقلة للحب الخالص لا شيء فيها سوى الغزل؛ منها لقيس بن الحدادية قصيدة غزلية في أربعة وأربعين بيتا, وأخرى لحسان في سبعة عشر بيتا, وهذه القصائد أثر الغزل المادي فيها ضئيل، فنحن نرى للنابغة قصيدة من هذا النوع يتغزل بحبيبته نعم، ويتشوق إلى عهدهما الماضي يوم كانا معا يتناجيان والزمان غافل عنهما, فيتبادلان الأسرار المكتومة والحب الصافي ... وينتقل إلى المرحلة التالية حيث هجرته نعم, فإذا هو يدعو قلبه للإفاقة من سكرة الحب ولكن أنى له ذلك, فقد عذر حبيبته وبكى رحيلها:


١ الغزل في العصر الجاهلي ١٥٩.

<<  <   >  >>