للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان بعضهن يكرهن على البغاء في الحجاز, فلما شكت جارية عبد الله بن أبي إلى الرسول أنه يجبرها على البغاء, نزل تحريم ذلك في القرآن١، ولا ينبغي أن نفهم أن تردد الرجال على بيوت البغاء يعطي النساء نفس الحق في الحجاز, فإن ذلك كان مما تأباه نفس الحرة الأبية, وقد رأينا شيئا من هذا عند هند بنت عتبة حينما استنكرت أن يعاهد نساء قريش ألا يزنين, وقالت: "وهل تزني الحرة يا رسول الله؟ "٢ والقرآن عبر بالفتيات وهن الإماء في النهي عن إكراه الإماء على البغي: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} . والمرأة الحجازية تنفر من هذا النوع من الإماء ولا تقبل حتى مجرد المشاركة في الاسم, فقد غضبت زوجة عمر بن الخطاب حينما حول اسمها من عاصية إلى جميلة؛ لأنه اسم أمة٣.

وسحيم عند بني الحسحاس -الذي فتح باب الغزل المادي على مصراعيه- لم يكن عربيا, مما يدل على أن نشأة هذا الغزل المادي كانت أجنبية عن العرب, فهو عبد أسود نوبي اشتراه عبد الله بن أبي ربيعة وعرضه على عثمان, فرده واشتراه بنو الحسحاس ... وتأثر خطاه عمر بن أبي ربيعة وإن لم يفحش مثله ... فسحيم يتمادى في التصوير ويبرز التجربة كما هي دون تحوير، فهي توسده كفها وتدغدغه بالآخر, وتثني رجلها من ورائه وسوف يشهد أنه رآها ويديها ورجليها كلها من ورائه:

توسدني كفا وتثني بمعصم ... علي وتحوي رجلها من ورائيا

فما زال بردي طيبا من ردائها ... إلى الحول حتى أنهج البرد باليا٤

وأشهد عند الله أن قد رأيتها ... وعشرين منها إصبعا من ورائيا

ولم يتركه فحشه وبذاؤه حتى ساعة قتله، ففي طريقه إلى الموت شمتت به إحدى صويحباته, فذكرها بماضيها معه:


١ تفسير الطبري ١٨/ ١٠٣.
٢ الإصابة ٨/ ٢٩٥.
٣ الإصابة ٨/ ٤٠.
٤ ديوان سحيم ١٩.

<<  <   >  >>