للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن تضحكي مني فيا رب ليلة ... تركتك فيها كالقباء المفرج١

ولما حان قتله, لم ينس أن يعيد إلى ذكراه الحي أفاعيله مع بنتهم:

شدوا وثاق العبد لا يفلتكم ... إن الحياة من الممات قريب

فلقد تحدر من جبين فتاتكم ... عرق على متن الفراش رطيب٢

وشعر الغزل المادي يصف جرأة الشاعر في وصوله إلى حبيبته رغم حذر أهلها ورقابتهم, ويسكن من روع المرأة إن شعرت بالخوف. فهذا سحيم يخرجها من خدر أمها ويلاعبها في الخلاء, بدليل أن المسك يتفتت من عليها فيلتقطه:

ومثلك قد أبرزت من خدر أمها ... إلى مجلس تجر بردا مسهما

فنفضت ثوبيها ونظرت حولها ... ولم أخش هذا الليل أن يتصرما

أعفي بآثار الثياب مبيتها ... وألقط رضا من وقوف تحطما٣

وقد يحدث العكس؛ فتسعى المرأة إلى الرجل وتجتهد في رؤيته، فسحيم نفسه يذكر أنه اجتمع عنده ثماني نسوة يعدنه وهن سبب دائه:

تجمعن من شتى ثلاثا وأربعا ... وواحدة حتى كملن ثمانيا

وأقبلن من أقصى الخيام يعدنني ... بقية ما أبقين نصلا يمانيا

يعدن مريضا هن قد هجن داءه ... ألا إنما بعض العوائد دائيا٤

الغزل التمهيدي:

ونأتي أخيرا إلى الشعر التمهيدي الذي قلنا: إنه لا يصدر عن عاطفة الحب ولا يدفع الشهوة, وإنما هو وسيلة لجذب الانتباه وتهيئة الجو للشاعر كي ينفذ إلى القلوب لينال ما يريد. ومن الغريب أن هذا الغزل فرض سلطانه على جميع أغراض الشعر, فالشاعر الحجازي قدم الغزل حتى في قصائد الرثاء, فهذا دريد بن الصمة يرثي أخاه عبد الله فيمهد لذلك بالتساؤل عن عهد حبيبته, وهل لا تزال هي متمسكة بهذا العهد أم أنها قد تحولت إلى سواه؟ فقد افترقا دون أن تنوله شيئا. وبعد ذلك ينتقل إلى موضوع الرثاء:


١ ديوان سحيم ٦٠.
٢ المفضليات ١/ ٨١.
٣ ديوان سحيم ٣٥.
٤ ديوان سحيم ٢٣.

<<  <   >  >>