للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أرث جديد الحبل من أم معبد ... بعاقبة أم أخلفت كل موعد

وبانت ولم أحمد إليها نوالها ... ولم ترج فينا ردة اليوم أو غد

أعاذل إن الرزء في مثل خالد ... ولا رزء فيما أهلك المرء عن يد١

وحسان بن ثابت حين رثى حمزة, قدم لهذا الرثاء بأبيات من الغزل يبكي فيها الأطلال ويسائلها عن سكانها، فلم تحر الأطلال جوابا فتركها واتجه إلى موضوعه وهو الرثاء:

أتعرف الدار عفا رسمها ... بعدك صواب المسبل الهاطل

سألتها عن ذاك فاستعجمت ... لم تدر ما مرجوعة السائل

دع عنك دارا قد عفا رسمها ... وابك على حمزة ذي النائل٢

ولدينا غير هاتين القصيدتين أيضا رثاء النابغة للنعمان بن الحارث، ومراثي المهلهل في أخيه والحارث بن عباد في ابنه وعريقة بن مسامع العبسي في أخيه مما يناقض ما قاله ابن الكلبي من أنه لا يعلم إلا قصيدة واحدة في الرثاء قدم لها بغزل, هي قصيدة دريد في رثاء أخيه٣.

وما دام الغزل التمهيدي قد تسرب إلى الرثاء فليس بغريب بعد ذلك أن نجده في كافة أغراض الشعر, ومن بينها الفخر الذي ينبغي أن يعمد إليه الشاعر قبل كل شيء, ولكنها التقاليد الشعرية اضطرت شعراءنا إلى غير ذلك, ونجدها متحكمة في الهجاء أيضا, وبعد أن يقضي الشاعر أربه من الغزل ينتقل إلى موضوعه مباشرة وقد يعرج على موضوع آخر غير ذلك مثل وصف الناقة, ويعلل الأستاذ جب ذلك "بأن الخلق الفني لدى العرب سلسلة من بواعث منفصلة, وكل منها تام ومستقل بنفسه, لا تربط بينها غاية أو انسجام أو اتفاق، اللهم إلا وحدة العقل الفردي الذي أبدعها".

وهو يقول:

"إن القصيدة العربية تتألف من سلسلة من الصور تعرض جوانب متعددة من الحياة العربية جرت العادة بترتيبها وترابطها، فالشاعر في أول قصيدته


١ الأصمعيات ١/ ٢٣.
٢ سيرة ابن هشام ٣/ ١٣٢.
٣ العمدة ٢/ ١٢١.

<<  <   >  >>