للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وصاحب العقد الفريد يجعل في القرآن هجاء فيقول١: قال الله تبارك في هجو المشركين: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} الآية. وأبو هلال العسكري يروي في باب الهجاء شعرا أخلاقيا لا يدخل في الهجاء بمعناه الضيق عند قدامة وأشياعه, ويذكر في هذا الباب نثرا مسجوعا في أغلب الأحيان، ولكنه يسميه ذما. والنويري في نهاية الأرب يجعل النثر والهجاء الأخلاقي في باب الهجاء, فيقول٢: "وإن للشعراء والبلغاء في الذم والهجاء نظما ونثرا سنورد منهما طرقا" ويجعل من الهجاء قسما هو هجاء أخلاقي، كهجاء الحسد والسعاية بالبغي والغيبة والنميمة.

والذي يعنينا في بحثنا هذا هو: ذلك الشعر الغنائي الذي يوجه فيه صاحبه الملامة والنقد والامتهان والاحتقار والكره والبغض لكل ما هو معيب مرذول، أو هزأة ضحكة من الأفراد أو الجماعات أو المذاهب أو الأخلاق.

"والهجاء ساخط على المجتمع ثائر على ما فيه ضيق به. والهجاء نتيجة عقدة نفسية وربما في كثير من الأحيان نتيجة لمركب نقص".

"ومن مميزات الهجاء دقة الملاحظة، فالهجاء طلعة بصير يفطن إلى أدق التوافه وألطفها مما يحيط به".

والهجاء يعتمد على التأثير السريع والوضوح الخلاب، فأسلوبه يمتاز بالبساطة التي لا أثر فيها للتكلف. وقد يصل فيه الإسفاف والهبوط إلى مستوى النكتة العامية والحديث الشائع المتداول بين العامة. "وأصحاب المطبوع أقدر على الهجاء من أهل المصقوع"؛ ذلك لأن "الهجاء نقد للحياة، فهو يأخذ مادته من الواقع، ولا يستمدها من الخيال أو التفكير، ولذلك كانت أبرز صفاته الواقعية البعيدة عن الإسراف في الصناعة، والتي تقوم على تجارب الحياة ودقة الملاحظة لما يجري فيها من أحداث"٣.


١ جـ٦ ص١٤٥.
٢ جـ٣ ص٢٦٩.
٣ الهجاء والهجاءون في الجاهلية ٢٧-٣٢.

<<  <   >  >>