بل أشد. وكان للفرد على قبيلته من الحقوق ما يشبه حق المواطن على وطنه؛ فهي مكلفة بحمايته من كل اعتداء وهو بعد هذا مسئول أمامها، مرتبط بها، لا رأي له إلا ما رأت، وهو يضع سيفه ولسانه في خدمتها, ولها أن تحرمه من جنسيته بأن تتبرأ منه وتعلنه طريدا١ ... وقد ذكرنا أمثلة لذلك في الشعر السياسي, وسنتناول بالتفصيل هذه الأقسام.
٦- أما الهجاء الشخصي فمبعثه تلك المنازعات الفردية، والخلافات الشخصية التي تنشأ بين الأفراد في كل زمان ومكان, بحكم أن الحياة كلها صراع على العيش، ونزاع على المال والجاه والسلطان.
وقد كان هذا اللون صورة سريعة حادة لانفعال الغضب لدى الجاهليين، فلم يتح له الصقل، ولا الأناة التي هي سبيل التجويد، فهو فقير في الصور والمعاني، ضئيل الحظ من الخيال ... وهو بعد, معركة كلامية هائجة تستعر بين فردين يتقاذفان بالشتائم.
ويتميز الهجاء الشخصي بما يأتي:
١- بسط اللسان، وكيل الشتائم, واختلاق المثالب والمعايب. وكثيرا ما يكون السباب مفحشا مقذعا يفضح العورات, دون مراعاة لأدب اللياقة أو الاحتشام.
٢- الفخر بالأحساب والأنساب، والأهل والمال والوالد, وكريم السجايا والتعالي بها على الخصوم والأعداء، وتعييرهم بنقائصهم في هذه المفاخر.
٣- تهديد الخصم بالقتل، وبالشعر الذي يسمه بميسم الذل ويظل لعنة تلاحقه في كل سامر ونادٍ، ويبقى على الأيام ذل الدهر وعار الأبد ووصمة الحياة!
هذه هي المعاني التي لا يكاد يخرج عنها الهجاء الفردي.