وكان النبي -صلوات الله عليه- يصلح بعض هذا الشعر ويوجهه، ويطلب إلى حسان أن يستفيد من علم أبي بكر في الأنساب؛ ليعرف مخازي قريش وعوراتها.
وقد كان أثر هذه العناية بالدعاية للدين واضحا في نمو فن الهجاء وعنفه، ولكنه لم يترك أثرا واضحا في أسلوب هذا الفن، فقد ظل كما كان جاهليا في صميمه، معتمدا على الأنساب، والتعبير بضعف العصبية، وخمول الذكر، والعجز عن حماية الجار، والاستسلام للمهاجمين من الأعداء، والقعود عن الثأر، إلى أمثال هذه الخصال التي تصور المثل الجاهلية، ولم يتأثر بالقيم الجديدة إلا قليلا. والنبي -صلوات الله عليه- يقول لشعراء المسلمين:"قولوا لهم مثل ما يقولون لكم"؛ ذلك لأنه قصد إلى التأثير في الجماهير، ولم يكن التعبير بالشرك، وعبادة ما لا يعقل، ومخالفة الخلق القويم، ليصنع في هذا المقام شيئا، فالهجاء فن يعتمد على الواقع وعلى القيم الأخلاقية الاجتماعية كما يتصورها العصر١. ومن أمثلة هذا الشعر قول عبد الله بن الزبعرى في غزوة أحد قبل أن يسلم:
يا غراب البين أسمعت فقل ... إنما تنطق شيئا قد فعل
إن للخير وللشر مدى ... وكلا ذلك وجه وقبل
أبلغا حسان عني آية ... فقريض الشعر يشفي ذا الغلل
كم قتلنا من كريم سيد ... ماجد الجدين مقدام بطل
صادق النجدة قرم بارع ... غير ملتاث لدى وقع الأسل
ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الأسل
حين حكت بقباء كيها ... واستحر القتل في عبد الأشل
ثم خفوا عند ذاكم رقصا ... رقص الحفان يعلو في الجبل
فقتلنا الضعف من أشرافهم ... وعدلنا ميل بدر فاعتدل
لا ألوم النفس إلا أننا ... لو كررنا لفعلنا المفتعل