للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تقد السلوقي المضاعف نسجه ... وتوقد في الصحصاح نار الحباحب١

وهو في هذا البيت يذهب إلى أن سيوف الممدوحين تقطع الدرع المضاعف، ثم تقد الفارس والفرس، ثم تنقد منهما إلى الحجارة حيث تقدح فيها الشرر. وهي مبالغة قلّ أن تجد لها نظيرا في الشعر الحجازي الجاهلي.

وكانوا إذا صوروا حادثة مثّلوها دون إيغال في استعمال الكناية أو المجاز, كما فعل أبو ذؤيب الهذلي في وصف حمر الوحش وصيدها١. وليس معنى هذا خلو أوصافهم من الجمال الفني, كلا، فإننا نجد لهم تشبيهات رائعة واستعارات جميلة كما يتضح ذلك من القصيدة التي يصف فيها تأبط شرا تحياله للخلاص من بجيلة في إحدى مغامراته الظافرة.

وقصة هذه المغامرة أن بني لحيان أخذت عليه طريق جبل ألقوه به يجني عسلا, ولم يكن له درب سواه. فقالوا له: استأسر أو نقتلك، فأبى أن يستأسر، وهداه فكره اللماح إلى حيلة تخلصه من موقفه الحرج فصب ما معه من العسل على الصخر، وترك جسمه ينزلق عليه حتى وصل إلى الأرض من غير طريقهم، ونجا منهم دون أن يمسه أذى من الصخر، والموت المحقق ينظر إليه خزيان لنجاته منه:

إذا المرء لم يحتل وقد جد جده ... أضاع وقاسى أمره وهو مدبر

ولكن أخو الحزم ليس نازلا ... به الخطب إلا وهو للقصد مبصر

فذاك قريع الدهر ما عاش حول ... إذا سد منه منخر جاش منخر

أقول للحيان وقد صفرت لهم ... وطابي ويوم ضيق الجحر معور

هما خطتا إما إسار ومنة ... وإما دم والقتل بالحر أجدر

وأخرى أصادي النفس عنها وإنها ... لمورد حزم إن فعلت ومصدر


١ السلوقي: درع منسوب إلى بلدة "سلوقة" من ساحل أنطاكية بالشام, أو هي قرية باليمن. الصفاح: الحجارة العراض. نار الحباحب: شعاع يضيء بالليل من ذباب يسمى "الحباحب".
٢ راجع ديوان الهذليين ١/ ٦ وما بعدها.

<<  <   >  >>