للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جدة:

تعتبر جدة الميناء الرئيسي للحجاز على البحر الأحمر، وهي ميناء مكة، والمسافة بينهما خمسة وخمسون ميلا، ويبلغ سكانها الآن حوالي مائتين وخمسين ألف نسمة.

وقد كانت قضاعة أول من سكن جدة قبل الإسلام، ولم يجر اتخاذ مدينة جدة مرفأ تجاريا لمكة إلا في السنة السادسة والعشرين من الهجرة، في زمن ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان -رضي الله عنه, فقد قدم في ذلك العام معتمرا من المدينة إلى مكة, فسأله أهلها أن ينقل ساحل مكة القديم من الشعبية١ جنوبي جدة الآن، إلى جدة لقربها من مكة، فخرج بنفسه ورآها واغتسل بها وأمر أصحابه أن يغتسلوا بها, ووصف الغسل من البحر بأنه مبارك.

والشعبية تبعد عن جدة نحو اثنتي عشرة ساعة بحرا وست وثلاثين ساعة برا لراكب البعير. ومن هذه الحقائق التاريخية تظهر لنا حقيقة أولى، هي أن مدينة جدة لم تكن تخلو من الماء, فقد كانت بها آثار عذبة وإلا لما أمكن لقضاعة أن تسكنها قبل الإسلام، ولما أمكن للخليفة الثالث أن يوافق على جعلها مرفأ لمكة٢.

ولما قويت الدعوة الإسلامية وفتح الله على المسلمين بلادا كثيرة، وتغلغل الدين الإسلامي في النفوس ووفد المسلمون من كافة أقطار الأرض إلى هذه البلاد حاجين ملبين، كبرت جدة وتطورت على مرور الأيام, وأخذت أهميتها تظهر بكثرة الوافدين


١ كانت الشعبية مرفأ مكة من قبل.
٢ جاء في تاج العروس ج٢ ص٣١٣:
قال ابن الأثير: الجد -بالضم- شاطئ النهر والجدة أيضا, وبه سميت المدينة التي عند مكة جدة. قلت: وهي الآن مدينة مشهورة مرسى السفن الواردة من مصر والهند واليمن والبصرة وغيرها. واختلف في سبب تسميتها بجدة, فقيل: لكونها خصت من جدة البحر أي: شاطئه. وقيل: سميت بجدة بن جرم بن زبان؛ لأنه نزلها كما في الروض الأنف للسهيلي. وقيل غير ذلك، وقال البكري في المعجم: الصواب أنه هو الذي سمي بها لولادته فيها.

<<  <   >  >>