للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مدن الحجاز بسيل جارف من الأجناس المختلفة، حتى رأينا فيه جموعا غفيرة من الفرغانة، والقشغر، والخوتان، ورأينا الصيني، والأندونيسي, والمغاربة، والسودانيين، والنيجيريين، والحضرميين, وغيرهم. وما كانت هذه الهجرة لتضير الحجاز، لو أنها نظمت تنظيما يفيد البلاد، ويفيد المهاجرين. ويؤسفنا أن نقول: إن عدم الالتفات لتنظيم الهجرة، بما يتفق وحالة الحجاز وظروف معاشه، ترك الحجازيين والمهاجرين في بلبلة ذهنية وخلقية١ ومعاشية، الأمر الذي يستاء له كل مخلص لمهد العروبة وقبلة الإسلام. إن البعض يهون من شأن الهجرة، ولا يرى فيها ما نراه من هذا التبلبل الذي نخشى مغبته. ولكن إذا علمنا عدد البخاريين والتركستانيين، يزيد عن مائة ألف نسمة، ويضاهيهم في هذا العدد النيجيريون، ويقرب عدد الأندونسيين من ستين ألفا، وعدد المغاربة من عشرين ألفا، وعدد الهنود نحو عشرين ألفا أيضا، ومن الأجناس الأخرى مجتمعة أكثر من مائة ألف، كل هؤلاء مكدسون في مكة والمدينة وجدة، حيث يحلو لهم الإقامة فيها دون غيرها. إذا علمنا ذلك أدركنا مبلغ الأضرار التي تنجم من ذلك.

وإن في الحجاز كثيرا من الواحات، وكثيرا من العيون المطمورة، والأراضي الصالحة للزراعة. وكل ذلك في حاجة إلى الأيدي العاملة، فلو وزعنا هؤلاء المهاجرين على تلك المناطق التي هي في حاجة إلى الإصلاح، وفي حاجة إلى الأيدي العاملة، لما أبيدت في بلادنا الثروات، من حيوانية ونباتية وغيرهما، ولما قاسى السكان ما يقاسون الآن ندرة الحيوانات، والخضراوات, والدواجن, ولوجدنا في هذه الأيدي العاملة -أيدي المهاجرين- ما يوفر


١ ومن الأمثلة العالية التي كانت في أخلاق الحجازيين: أن الجار يحترم جاره ويصون جواده, ويعطف عليه ويواسيه، ويفتقده ويسأل عنه. وقبل خمسين سنة كان صاحب الدكان إذا استفتح "بزبون" وجاءه زبون آخر، فإنه يبعثه ليشتري من جاره الذي لم يستفتح بعد، وكان المطوف إذا جاءه حجاج، ولم يأت لصديقه أو لجاره حجاج، فإنه يبعث إليه من عنده طائفة الحجاج الثانية التي ترد إليه.

<<  <   >  >>