للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في موقف أهل السنة من دفع البدعة: " واشتد نكير السلف والأئمة لها، وصاحوا بأهلها، من أقطار الأرض وحذروا فتنتهم أشد التحذير، وبالغوا في ذلك ما لم يبالغوا مثله في إنكار الفواحش، والظلم، والعدوان، إذ مضرة البدع، وهدمها للدين، ومنافاتها له أشد" (١).

والمراد بهذه الأبحاث، حمل النفوس، على إعمال هذه السنة الماضية، في حياة المسلمين الجهادية الدفاعية، عن حرمات الإسلام، وأنها من حقوق الله التعبدية، من جنس الجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لاسيما والحاجة إليها ملحة في هذه الأزمنة.

ألا إن النفير خفافاً وثقالاً، لنثل السهام من كنانة الحق للرد على هؤلاء - أي أصحاب الدعوات الباطلة- وأمثالهم، ونقض شبههم، وكشف فتونهم، وتعريتهم، هو من حق الله على عباده، وحق المسلمين على علمائهم، في رد كل مخالف ومخالفته، ومضل وضلالته، ومخطئ وخطئه، وزلة عالم وشذوذه، حتى لا تتداعى الأهواء على المسلمين تعثوا فساداً في فطرهم، وتقصم وحدتهم، وتؤول بدينهم إلى دين مبدل، وشرع محرف، وركام من النحل والأهواء.

وهذا سير على أصل الاعتقاد، ووصل لحياة السلف الجهادية الدفاعية، واتصال بها، باللسانين: القلم واللسان، في تاريخهم الحافل الطويل.

وقد بلغ جهد المصلحين الجهادي في هذا مبلغاً عظيماً فلابسوا الحياة علماً وعملاً، ومحصوا الحقائق، وحصحص الحق على أيديهم، بمواقف لا تتخذ من دون الله ولا رسوله وليجة.

وهم في هذا الخط الدفاعي، بردم كل مخالفة للدين من داخل الصف أو خارجه، ينطلقون من الأصل العقدي المعلوم في سلم المسلمات من أصول الإسلام "مشروعية الرد على المخالف"، في كل خصومة ملدة لهذا الدين من أهل الملل الكافرة، والأهواء الضالة، والبدع الزائفة، لهتك أستارهم، وكسر شوكتهم، وكف بأسهم، وأهوائهم، وبدعهم، وضلالاتهم عن المسلمين ...

وما زال هذا الأصل العقدي جارياً في حياة الأمة، يقوم به من شاء الله من علمائها، يؤدون به الواجب عن أنفسهم، وإخوانهم في الدين، فهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم.

"والمقصود أن هذه الأمة - ولله الحمد- لم يزل فيها من يتفطن لما في كلام أهل الباطل من الباطل ويرده، وهم لما هداهم الله به، يتوافقون في قبول الحق، ورد الباطل رأياً ورواية من غير تشاعر، ولا تواطؤ" (٢).

ومن استقرأ الوحيين الشريفين رأى في موقف الأنبياء مع أممهم، والمصلحين مع أهليهم، مواقف الحجاج والمجادلة، والرد على كل ضلالة ومخالفة، وهكذا ورثتهم من بعدهم على تطاول القرون.


(١) مدارج السالكين، لابن القيم: ١/ ٣٧٢، وانظر: زاد المعاد: ٣/ ٤٩٥، فقه غزوة الطائف.
(٢) مجموع الفتاوى: ٩/ ٢٣٣.

<<  <   >  >>