للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- -رحمه الله تعالى: " فالراد على أهل البدع مجاهد، حتى كان يحيى بن يحيى، يقول: الذب عن السنة أفضل من الجهاد" (١).

وفي بيان قدر هذه المنزلة الجهادية بالقلم واللسان يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- -رحمه الله تعالى -: " وإذا كان النصح واجباً في المصالح الدينية الخاصة والعامة، مثل، نقلة الحديث الذي يغلطون أو يكذبون، كما قال يحيى بن سعيد: سألت مالكاً، والثوري، والليث بن سعد -أظنه- والأوزاعي عن الرجل يتهم في الحديث أو يحفظ؟ فقالوا: بين أمره. وقال بعضهم لأحمد بن حنبل: إنه يثقل علي أن أقول فلان كذا، وفلان كذا. فقال: إذا سكت أنت، وسكت أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم؟ !

ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل" (٢).

هذا مجمل تاريخي استدلالي على تثبيت هذا الأصل العقدي، ردع البدع، والمخالفات، والأهواء، ومقارعة أهلها، وكشفهم، ومعرفتهم بأعيانهم، وإبطال بدعهم خوفاً من عاديتهم على أهل السنة، ونصحاً لهم بل لله، ولرسوله ودينه وأئمة المسلمين، وعامتهم.

فاتضح من هذا عقلاً وشرعاً أن: " من حق الله على عباده رد الطاعنين على كتابه ورسوله، ودينه، ومجاهدتهم بالحجة والبيان، والسيف والسنان، والقلب والجنان، وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان" (٣).

فالرد على المخالف أصل من أصول الدين، بل هو مقتضى شهادة التوحيد التي قال الله تعالى عنها: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦)} [البقرة: ٢٥٦]، ولذا تضمنت الدعوة إلى الله غايتين، لا تصح الدعوة إلا بهما، وهما ركناها: الركن الأول: تقرير الدين والعقيدة والشريعة، وتعلمها والعمل بها ونشرها، الركن الثاني: حماية الدين والعقيدة والشريعة، والدفاع عنها، وبيان ما يخالفها، وكل ذلك من منهج القرآن الكريم، وعليه عمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وأئمة السلف رحمهم الله" (٤).


(١) المرجع السابق: ٤/ ١٣.
(٢) المرجع السابق: ١٢/ ٤٦٤.
(٣) هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى، لابن القيم: ٢٣٢. وانظر: الرد على المخالف من أصول الإسلام، للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد: ٧ - ٤٧، باختصار.
(٤) مقدمات في الأهواء والافتراق والبدع، للشيخ ناصر العقل: ١/ ٧.

<<  <   >  >>