للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

د- دعوى فقدان معظم كتبهم.

تقول المستشرقة (سوسنة ديفلد): إن مصنفات المعتزلة قد ضاع أكثرها، لذا يضطر الباحث إلى استنباط مقالاتهم من كتب المجادلة والرد عليهم، ومن الكتب التي ألفها علماء السنة في مقالات الفرق الإسلامية (١)، ويذكر المستشرق (شارل بلا الفرنسي) بأنه لا يمكن معرفة المذهب بدقة بسبب هذا الفقدان وانعدام الكتب - الذي كان عن قصد حين انتصر مذهب السنة آخر الأمر على مذهب المعتزلة- (٢).

ويذهب المستشرق (بينس) إلى القول بأنه قد كان لدى المعتزلة مجموعة أفكار فلسفية لا تتصل بالدين، وقد غيروها لتلائم ما قصدوا إليه من الدفاع عن أنفسهم والانتصار لمذهبهم، ثم جاء خصومهم فاستغلوا طريقة الإلزام في الرد على هذه المذاهب حين استخرجوا منها صوراً متطرفة باطلة (٣).

والسؤال الذي ينبغي أن يطرح: ما الكتب التي فقدت؟ وهل ما كان فيها يختلف عما ذكره أهل العلم الثقات عن مذهب المعتزلة؟ فمؤرخوا الفرق الإسلاميين أقرب عهداً لأصحاب الفرق من المستشرقين، فليس من المنهجية العلمية ولا من الناحية العقلية أن أُخطّئ الذي عاصر بعض أصحاب تلك المقالات، وأصوب المستشرق الذي نظر في الكتب بعد قرون مرت على وفاة أصحاب تلك المقالات.

هـ- الثناء على أعلام المعتزلة.

يبالغ المستشرقون في الثناء على أعلام المعتزلة بشكل مفرط فيه، فيقول المستشرق (جولد زيهر): إن واصل بن عطاء مؤسس المذهب الاعتزالي، جعلته السير زاهداً من الزهاد أمكن أن يقال في رثائه (إنه لم يقبض في حياته ديناراً أو درهماً) (٤)، وأن عمرو بن عبيد من الزهاد، وقد كان يمضي ليالي في الصلاة، وحج مكة أربعين حجة ماشياً، وكان يظهر دائماً كاسف البال، حزيناً مهموماً، كمن عاد من دفن نفر من أقربائه (٥). وأن ما وصل من آثار تدل على ورعه وزهده لا يدل على نزعة للمذاهب العقلية (٦).

ويقول (نيبرج) عن أبي الهذيل العلاف بأنه: هو فيلسوف الاعتزال والمنظر له، وهو أول من خاض المناظرات التي قامت في عصره، وكان مستعداً لذلك استعداداً فائقاً بفضل عقله الفلسفي ورجاحة تفكيره وفصاحته، حتى أصبح المدافع عن الإسلام ضد الأديان الأخرى، وضد التيارات الفكرية الكبيرة للعصر السابق (٧) ويصفه (د. جمرت) بأنه قد اشتهر بحسن الجدل والمناظرة (٨).

وهذا الثناء المبالغ فيه على رجال المعتزلة ملاحظ بشكل بارز لدى المستشرقين، حيث إنهم يركزون على إبراز الجوانب التي يمكن حملها على النواحي الإيجابية والثناء بشكل مستمر على رجال المعتزلة، وتلمس الأعذار لهم، وكل هذا للتلبيس على الناس، وإظهارهم بصورة حسنة أمام الناس، وأن من اتصفوا بهذه الصفات لا يمكن أن تصدر منهم أقوال بحسب ما يذكره عنهم أهل السنة، مما يؤدي إلى الشك في مصداقية أهل السنة عند نقدهم للآخرين وبيان أفكارهم.

?


(١) انظر: مقدمة تحقيق طبقات المعتزلة (سوسنة ديفل - فلزر): ط.
(٢) انظر: الجاحظ (شال بلا) ضمن موجز دائرة المعارف الإسلامية ٩/ ٢٦٠٨.
(٣) انظر: مذهب الذرة: ٢٠.
(٤) انظر: العقيدة والشريعة: ١٠١.
(٥) المرجع السابق: ١٠١.
(٦) المرجع السابق: ١٠١.
(٧) انظر: موجز دائرة المعارف الإسلامية ٢/ ٤٢١.
(٨) المرجع السابق ٣٠/ ٩٣٨٨ - ٩٣٨٩.

<<  <   >  >>