للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكلا النتيجتين اللتين توصل لهما سواء قوله بأن بداية الإسناد في الأحاديث تذهب إلى الثلث الثالث من القرن الأول الهجري، أم قوله بأن معرفة عروة بالأسانيد لا تزال موضع نزاع وجدل، فكلاهما خاطئتان، إذ أن السند كان موجوداً مع بداية الرواية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والعهود التي تلته (١).

أما المستشرق (شاخت) فقد اجرى دراسة على الأحاديث الفقهية وتطورها - على حد زعمه- على كتابي "الموطأ" لمالك، و"الأم" للشافعي، وعمم نتائج دراسته على كتب الحديث الأخرى، ثم خلص إلى أن السند جزء اعتباطي في الأحاديث، وأن الأسانيد بدأت بشكل بدائي، حتى وصلت إلى كمالها في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، وأنها كانت لا تجد عناية واهتماماً، ولذا فإن أي حزب يريد نسبة آرائه إلى المتقدمين كان يختار تلك الشخصيات فيضعها في الإسناد (٢).

ثانياً: موقفهم من المتن.

على الرغم من وضوح المنهج الذي سلكه المحدثون لحفظ السنة وضمان صيانتها عن العبث والتحريف، والافتراء والدس؛ إلا أن المستشرقين ما فتئوا من إثارة بعض الشبهات حول منهج النقد عند المحدثين، وادعوا بأن المحدثين عولوا في نقدهم للأحاديث على الأسانيد فقط، مغفلين تماماً النظر إلى المتون والألفاظ، وبالتالي انصبت جهودهم في هذا المجال على الجانب الشكلي السطحي أو ما أطلقوا عليه النقد الخارجي، ويعنون به نقد السند على حين غفلوا أو تغافلوا عن المضمون والمقصود أصالة من الحديث، وهو ما أطلقوا عليه النقد الداخلي، ويعنون به نقد المتون والألفاظ، الأمر الذي نتج عنه تصحيح كثير من المتون التي حقها النقد والرد بسبب هذا المنهج الذي اعتمده المحدثون (٣).

وفي هذا يقول المستشرق (جولد زيهر): "في النقد الإسلامي للسنة تهيمن النزعة الشكلية في القاعدة التي انطلق منها هذا العلم، والعوامل الشكلية هي بصورة خاصة العوامل الحاسمة للحكم على استقامة وأصالة الحديث، أو كما يقول المسلمون: على صحة الحديث وتختبر الأحاديث بحسب شكلها الخارجي فقط" (٤).


(١) انظر: دراسات في الحديث النبوي: ٣٢٧، المستشرقون والحديث النبوي: ٩٨، مكانة السنة في التشريع الإسلامي: ١٨٦ وما بعدها، حجية السنة: ٤٣٠.
(٢) انظر: المستشرق شاخت والسنة النبوية (ضمن موجز مناهج المستشرقين في الدراسات العربية والإسلامية ١/ ٨٣)، دراسات في الحديث النبوي ٢/ ٣٩٤، ٤٢٢، نقد الخطاب الاستشراقي ١/ ٥١٨.
(٣) انظر: المستشرقون والحديث النبوي: ١٢٩.
(٤) انظر: السنة قبل التدوين: ٢٥٤، السنة حجيتها ومكانتها في الإسلام: ٢٤٠، موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية ٢/ ١٥٠.

<<  <   >  >>