للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الخامس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

هذا هو الأصل الأخير من أصول المعتزلة الخمسة، وقد بين القاضي عبدالجبار حقيقة الأمر، والنهي، والمعروف، والمنكر، فقال: "أما الأمر: هو قول القائل لمن دونه في الرتبة: أفعل، والنهي هو قول القائل لمن دونه: لا تفعل.

وأما المعروف: فهو كل فعل عرف فاعله حسنه أو دل عليه، ولهذا لا يقال في أفعال القديم تعالى: معروف لما لم يعرف حسنها ولا دل عليها.

وأما المنكر: فهو كل فعل عرف فاعله قبحه أو دل عليه، ولو وقع من الله تعالى القبيح لا يقال: أنه منكر، لما لم يعرف قبحه ولا دل عليه" (١).

وقد توافق أهل السنة والمعتزلة في حكم القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كونه من الواجبات على الكفاية، وهو ما قرره الله تعالى في كتابه الكريم حيث قال: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (٢).

إلا أنه وقع خلاف بين أهل السنة والمعتزلة في طريقة تغيير المنكر، وفي الخروج على السلطان، وفي حمل السلاح في وجوه المخالفين.

ففي طريقة تغيير المنكر: سار فيها المعتزلة على عكس الحديث الذي بين فيه الرسول صلى الله عليه وسلم موقف المسلم إزاء تغيير المنكرات.

فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" (٣).

فتغيير المنكر عند المعتزلة يبدأ بالحسنى ثم باللسان ثم باليد ثم بالسيف بينما الحديث يرشد إلى العكس، وهو ما يذهب إليه أهل الحق، من أن تغيير المنكر يبدأ بالفعل باليد إذا لم يترتب عليه مفاسد، والتغيير باليد هنا لا يكون بالسيف، وإنما هو إزالة المنكر بدون قتال ولا فتح باب فتنة أكبر من المنكر المراد إزالته (٤).


(١) انظر: شرح الأصول الخمسة: ١٤١.
(٢) آل عمران: ١٠٤.
(٣) انظر: صحيح مسلم، كتاب الإيمان، كون النهي عن المنكر من الإيمان (٤٩).
(٤) انظر: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لابن تيمية: ١٨.

<<  <   >  >>