للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني: السنة النبوية]

السنة الصحيحة هي المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم، ومنزلتها منه أنها مبينة وشارحة له: تفصل مجمله، وتوضح مشكله، وتقيد مطلقه، وتخصص عامه، وتبسط ما فيه من إيجاز (١)، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (٢)، وهي بهذه الصفة لها حجيتها ويجب العمل بمقتضاها.

ولتأكُّد المستشرقين من أن هذا المصدر، هو المصدر الثاني للشريعة الإسلامية، فإنهم ما فتئوا يثيرون الشكوك والشبهات حوله، ليقينهم بأنهم لن يصلوا إلى مقصودهم إلا إذا هُدم هذا المصدر، لأن أي طعن في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته، سيكون طعناً في الإسلام، وهدماً للكيان الإسلامي عقيدة وعملاً.

ولقد نال رضاهم المنهج المعظم للعقل - على حساب الكتاب والسنة - الذي انتهجه المعتزلة (٣) فأشادوا بالمعتزلة، وبمواقفهم من القرآن والسنة وأطلقوا عليهم اسم المفكرين الأحرار في الإسلام، ودعاة الحرية الفكرية والاستنارة، ووصفهم المستشرق (جولد زيهر) بأنهم وسعوا معين المعرفة الدينية، بأن أدخلوا فيها عنصراً مهماً آخر، وهو العقل الذي كان حتى ذلك الحين مبعداً بشدة عن هذه الناحية (٤).

[السنة عند المعتزلة]

لقد ذهب المعتزلة في تقدير العقل بعيداً، فقالوا: إذا تعارض النقل والعقل وجب تقديم العقل لأنه أساس النقل، وكان موقفهم من الأحاديث موقف المتشكك في صحة الحديث، وأحياناً موقف المنكر له أو المؤول له، لأنهم يحكمون العقل في الحديث لا الحديث في العقل (٥).

وقالوا: إن خبر الواحد لا يؤخذ به في أصول العلم (٦)، وذموا تعلم الحديث وحذروا من تعلمه، وقللوا من فائدته والاستدلال به، ونصوا على أنه لا حاجة إليه، إذ العقول تغني عنه والأذهان تكتفي بغيره (٧).


(١) انظر: دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين: ١٠.
(٢) النحل: ٤٤.
(٣) انظر: فضل الاعتزال: ١٣٩.
(٤) انظر: العقيدة والشريعة: ٨٩ - ٩١، موقف المعتزلة من السنة النبوية: ٧٤ - ٧٨.
(٥) انظر: المعتزلة في بغداد: ٩٨ - ٩٩. شرح الأصول الخمسة للقاضي عبدالجبار: ٢٦٩.
(٦) انظر: الانتصار للخياط: ٦٨، شرح الأصول الخمسة: ٢٦٩.
(٧) انظر: موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية ١/ ١٢٣.

<<  <   >  >>