للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أثناء عزلته، ولميل إدراكه وشعوره للتأملات المجردة والتي يلمح فيها أثر حالته المرضية، نراه ينساق ضد العقلية الدينية والأخلاقية لقومه الأقربين والأبعدين، فأخذ يشكوا من اضطهاد الفقراء، وطمع الأغنياء، وسوء المعاملة، وعدم المبالاة بالصالح العام وواجبات الحياة الإنسانية والأشياء الفاضلة الباقية التي تقابل هذه الحياة الدنيا الزائلة ومتاعها فتملكه شعور يدعوه بقوة تزداد شيئاً فشيئاً ليذهب إلى قومه منذراً إياهم بما يؤدي بهم إلى الخسران المبين، وبكلمة واحدة أحس بقوة لا يستطيع لها مقاومة، تدفعه لأن يكون مربياً لشعبه (١)، ثم يؤكد هذا المستشرق بأن كل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من أمور اليوم الآخر ليس إلا مجموعة موارد استقاها من الخارج يقيناً، وأنه قد استفاد من العهد القديم على وجه التحديد في مسائل قصص النبيين، ليُذكّر على سبيل الإنذار والتمثيل، بمصير الأمم السالفة الذين سخروا من رسلهم (٢).

ويرى المستشرق (مونتغمري وات) أن السور القرآنية الأولى التي تتحدث عن الوحدانية تضع القرآن في مرتبة الوحدانية اليهودية النصرانية نظراً لمفاهيمه عن الله الخالق، ويوم البعث والحساب، أما السور القرآنية الأخيرة فإنها تقترب كثيراً من التعاليم الإنجيلية القديم منها والحديث، وفي نفس الوقت ينفي معرفة النبي صلى الله عليه وسلم بالكتابة والقراءة، خلافاً لغيره من المستشرقين، كما ينفي الاطلاع المباشر للنبي صلى الله عليه وسلم على الكتب المقدسة لليهود ووالنصارى، إلا أنه لا يستبعد وصول تعاليمها إليه شفاهاً.

وزعم المستشرق (كليمان هوار الفرنسي) أنه قد اكتشف مصدراً جديداً للقرآن الكريم، وهو شعر أمية بن أبي الصلت الجاهلي، وحجته هي التشابه الكبير بينهما في الوحدانية ووصف الآخرة وقصص أنبياء العرب القدماء، ثم زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استعان بذلك الشعر في نظم القرآن، وأن هذه الاستعانة حملت المسلمين على مقاومة شعر أمية ومحوه ليستأثر القرآن بالجدة وليصبح النبي صلى الله عليه وسلم هو المنفرد بتلقي الوحي من السماء (٣)، وقد أورد بعض المستشرقين أبياتاً لامرئ القيس فيها ذكر (دنت الساعة وانشق القمر) كدليل على أن شعر أمية وامرئ القيس يشكلان مصدراً من مصادر القرآن (٤).


(١) انظر: العقيدة والشريعة: ١٣ - ١٤.
(٢) المرجع السابق: ١٤ - ١٥.
(٣) انظز: القرآن والمستشرقون، د. التهامي نقرة، ضمن موجز مناهج المستشرقين في الدراسات العربية والإسلامية ١/ ٣٣.
(٤) انظر: المرجع السابق ١/ ٣٤.

<<  <   >  >>