للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الرأي الذي قال به المستشرقون قد أورده عدد من كتاب الفرق في كتبهم كالبغدادي والشهرستاني، وأن كلمة (المعتزلة) لفظ أطلقه أعداؤهم من أهل السنة عليهم للتدليل على أنهم انفصلوا عنهم، وتركوا مشايخهم القدامى، واعتزلوا قول الأمة بأسرها في مرتكب الكبيرة، فهم بهذا الاعتبار اسم يتضمن نوعاً من الذم، واتهاماً واضحاً بالخروج على السنة والجماعة، فالمعتزلي هو المخالف والمنفصل (١).

[ثالثاً: أنها من الوقوف على الحياد]

وهذا هو رأي المستشرق (نيللو) والمستشرق (دومينيك سورديل الفرنسي) من أن الاعتزال مأخوذ من الحياد، والسبب في ذلك؛ أن المعتزلة قد وقفوا على الحياد بين أهل السنة والجماعة وبين الخوارج.

لذا فإن مفهوم الاعتزال عندهم هو الوقوف على الحياد في مواجهة الفرق المتنازعة (٢)، بل قال المستشرق (د: جمرت): أنه قد يطلق على بعض الصحابة الذين وقفوا على الحياد بين علي ومعاوية، كعبدالله بن عمرو بن العاص، وسعد بن أبي وقاص، إلا أنه ليس هناك أي صلة بينهم وبين حركة الاعتزال التي أسسها واصل بن عطاء (٣).

[رابعاً: أن المعتزلة تطور من القدرية]

وهذا القول متداخل مع القول بأنها مأخوذة من الانفصال والانشقاق، إلا أنه يختلف عنه من خلال كون القائلين به جعلوا القدرية هي أصل المعتزلة ومبدأها، وأن أصول المعتزلة التاريخية تعود إلى معبد الجهني وغيلان الدمشقي، مع قولهم بأنها من الانفصال والانشقاق، وقد قال بهذا من المستشرقين (اشتيتر، فون كريمر، دي بوار الهولندي) (٤).

وهذا فيه موافقه للحقيقة من حيث أصل نشأة المذهب، إلا أنه ليست له علاقة بالتسمية، ذلك أن المعتزلة والقدرية، قد اتفقتا على إنكار القدر والقول بنسبة خلق الأفعال للعباد (٥)، كما أن غيلان الدمشقي ذكره كتاب طبقات المعتزلة ضمن رجال الطبقة الرابعة (٦)، مما يرجح أن أصول مذهب القدر كانت ممهدة لأصول الاعتزال من حيث توافق الأفكار في مسألة القدر.


(١) انظر: دراسات في الفرق والعقائد الإسلامية: ٨٤.
(٢) انظر: دائرة المعارف الإسلامية ٣٠/ ٩٣٨٤، التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية، بحوث في المعتزلة (نيللو): ١٨١، ١٩٠، ١٩١.
(٣) انظر: التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية، بحوث في المعتزلة (نيللو): ١٨٣ - ١٨٤.
(٤) انظر: المرجع السابق: ١٧٧.
(٥) انظر: المعتزلة بين القديم والحديث: ٦٠ - ٦١.
(٦) انظر: طبقات المعتزلة لابن المرتضى: ٢٥، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة: ٢٢٩.

<<  <   >  >>