ويتضح في موقف المستشرقين من مبدأ العدل عند المعتزلة أنهم يذهبون إلى القول بالحرية الإنسانية، وأن الإنسان له حرية مطلقة في اختيار جميع أفعاله، وأنه هو وحده خالق أفعاله، والمسؤول عنها، لأن مبدأ العدل الإلهي يوجب القول بحرية الإنسان ومسؤوليته عن أفعاله وإلا تجردت فكرة الثواب والعقاب من كل معنى، وأصبح الخالق سبحانه وتعالى غير عادل، لأنه قدرته محدودة ومقيدة بالتنزه عن الشر، إضافة لارتباطه تعالى بنفس القواعد التي يرتبط بها الناس، فما دل عليه العقل بأنه شرك كان كذلك بالنسبة للخالق.
والخلاصة من أقوالهم هي القول بأن الله لا يخلق الشر، ولا يعاقب إلا الفاعل، والفعل لا يصدر إلا من فاعله، وعليه فإن العدل على الله واجب، ولتحقيق ذلك لابد من القول بأن الإنسان يخلق فعل نفسه، لأن الله لا يصدر عنه الشر، وأن معنى الثواب والعقاب لا يتحقق إلا بالقول بأن الإنسان يخلق فعل نفسه، وأنه ليس هناك تنافي بين علم الله سبحانه وتعالى وبين الحرية الإنسانية لأن متعلق علم الله هو الكائن وليس بالفعل، كما هو الحال بالنسبة للإرادة والأمر.