للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكان من منهج المستشرقين في دراستهم للمعتزلة أنهم عندما تعرضوا لدراسة الإسلام بشكل عام، لم يدرسوه بموضوعية ونزاهة، بل درسوه وقد ترسخ في أذهانهم فكرة أساسية وهي لابد من هدم الإسلام والقضاء عليه (١).

ونقل الدكتور (موريس بوكاي) عن المستشرق (هانونو) قوله: وأفضل الطرق لتثبيت ولاية المستعمر الأوربي على البلاد الإسلامية، هو تشويه الدين الإسلام وتصوره في نفوس معتقديه، بإبراز الخلافات المذهبية .. مع شرح مبادئ الإسلام شرحاً يشوّهها وينحرف بها عن قيمها الأصلية (٢).

فكان تركيزهم في البحث عن المسائل الخلافية الشائكة التي أثارتها تلك الفرق، وأثرت على تفكير المسلمين وأشغلتهم، فيبرزون تلك المسائل ويظهرونها على أنها هي الحق والصواب، من غير أن يتبعوا منهجاً علمياً يقوم على البحث والتمحيص، واتباع الدليل والبرهان في الوصول للنتيجة.

فقد تبنوا فكرة أن العقل هو مصدر المعارف الدينية، والمعيار الذي توزن به الحقيقة الدينية (٣)، ونسبوا ذلك للدين الإسلامي، موافقة للمعتزلة دون نظر للردود عليهم، أو حتى مناقشة تلك الردود أو على الأقل عرضها بنفس الطريقة التي أبرزوا بها الطريقة العقلانية التي سار عليها المعتزلة.

ومن منهجهم تبني الأفكار الخطيرة وكأنها من المسلمات، ويناقشونها من باب إثبات أصلها وأن المسلمين قد استفادوها من ذلك الأصل ونسبوها لأنفسهم.

ومن منهجهم التلميع والثناء المبالغ فيه لأعلام المعتزلة، ووصفهم بأنهم حماة الدين، ومفكروه، والذَّابون عنه، فمن ذلك قولهم عن أبي الهذيل العلاف: إنه المدافع عن الإسلام ضد الأديان الأخرى، وضد التيارات الفكرية للعصر السابق، وأنه قد اشتهر بحسن الجدل والمناظرة (٤)، ووصف الجاحظ بأنه خبير بالنفوس.

ومن منهجهم أنهم يعتمدون الكذب أو التدليس والتشكيك، في أمور يُقطع بثبوتها؛ حيث نجد أنهم عند وقوفهم على معضلة وكبيرة من كبائر الفرق - لا يستطيعون عنها محيداً- فليس أمامهم إلا إثباتها وبالتالي ظهور عوار هذه الفرقة الضالة، أو إنكارها وهو ما لا يستطيعونه أمام البحث العلمي نجد أنهم يبادرون القول بأن هذه الأقوال مكذوبة عليهم، أو أن المذهب قد اعتراه بعض الدس والحشو، والتقوُّل عليه، أو الزعم بأنه لم تصل كل مصنفات ذلك العالم حتى يمكن فهم مقصده تماماً، وبيان حجته التي قال على ضوئها ذلك القول.

ومن منهجهم تعمد الإساءة للإسلام، وعدم قدرتهم على إثبات دعواهم، بل تهربهم من ذلك، وكأن قولهم حجة لا تحتاج إلى دليل، فهذا المستشرق (جولد زيهر) عندما زعم بأن القرآن الكريم إنما استمد موضوعاته من العهد القديم (٥)، لم يستطع أن يقدم دليلاً واحداً على ذلك، بل اكتفى برمي الشبهة أو الفرية فقط.

?


(١) انظر: احذروا الأساليب الحديثة في مواجهة الإسلام، سعد الدين السيد صالح: ٩٣.
(٢) انظر: الله أو الدمار، لطفي جمعة: ٦٥، احذروا الأساليب الحديثة في مواجهة الإسلام: ٩٣.
(٣) انظر: مذاهب التفسير، جولد زيهر: ١٥٩.
(٤) انظر: دائرة المعارف الإسلامية ٢/ ٤٢١، ٣٠/ ٩٣٨٨.
(٥) انظر: العقيدة والشريعة: ١٤ - ١٥.

<<  <   >  >>